الاشتراكي وإن كان يلغي الملكية الخاصّة لوسائل الانتاج، غير أ نّه لا يلغي إدارتها الخاصّة من قِبل هيئات الجهاز الحاكم الذي يمارس دكتاتورية البروليتاريا، ويحتكر الإشراف على جميع وسائل الانتاج وإدارتها؛ إذ ليس من المعقول أن تدار وسائل الانتاج في لحظة تأميمها إدارة جماعية اشتراكية من قِبل أفراد المجتمع كافّة. فالنظام الاشتراكي يحتفظ- إذن- بظواهر فردية بارزة، ومن الطبيعي لهذه الظواهر الفرديّة أن تحافظ على الدافع الذاتي، وتعكسه في المحتوى الداخلي للإنسان باستمرار، كما كانت تصنع ظاهرة الملكية الخاصّة.
وهكذا نعرف قيمة السبيل الأوّل لحلّ المشكلة- السبيل الشيوعي- الذي يعتبر إلغاء تشريع الملكية الخاصّة ومحوها من سجلّ القانون كفيلًا وحده بحلّ المشكلة وتطوير الإنسان.
وأمّا السبيل الثاني- الذي مرّ بنا- فهو الذي سلكه الإسلام؛ إيماناً منه بأنّ الحلّ الوحيد للمشكلة تطوير المفهوم المادّي للإنسان عن الحياة. فلم يبتدر إلى مبدأ الملكية الخاصّة ليبطله، وإنّما غزا المفهوم المادّي عن الحياة، ووضع للحياة مفهوماً جديداً، وأقام على أساس ذلك المفهوم نظاماً لم يجعل فيه الفرد آلة ميكانيكية في الجهاز الاجتماعي، ولا المجتمع هيئة قائمة لحساب الفرد، بل وضع لكلّ منهما حقوقه، وكفل للفرد كرامته المعنوية والمادّية معاً. فالإسلام وضع يده على نقطة الداء الحقيقية في النظام الاجتماعي للديمقراطية وما إليه من أنظمة، فمحاها محواً ينسجم مع الطبيعة الإنسانية؛ فإنّ نقطة الارتكاز الأساسية لما ضجّت به الحياة البشرية من أنواع الشقاء وألوان المآسي هي: النظرة المادّية إلى الحياة التي نختصرها بعبارة مقتضبة في افتراض حياة الإنسان في الدنيا هي كلّ ما في الحساب من شيء، وإقامة المصلحة الشخصية مقياساً لكلّ فعّالية ونشاط.