الصورة المادّية المنعكسة. وهذا يبرهن بوضوح على أنّ العقل والإدراك ليس مادّياً، وأنّ الصورة المدرَكة ميتافيزيقية.
ومن الواضح: أنّ هذا التفسير الفلسفي لظاهرة الثبات لا يتعارض مع أيّ تفسير علمي لها يمكن أن يقدّم في هذا المضمار. فيمكنك أن تفسّر الظاهرة بأنّ ثبات الموضوعات المدرَكة- في مظاهرها المختلفة- يرجع إلى الخبرة والتعلّم، كما يمكنك إن شئت أن تقول- في ضوء التجارب العلمية- إنّ هناك علاقات محدّدة بين الثبات في مختلف مظاهره، والتنظيم المكاني للموضوعات الخارجية التي ندركها؛ فإنّ هذا لا يعني حلّ المشكلة من ناحية فلسفية؛ إذ أنّ الصورة المبصرة- التي لم تتغيّر طبقاً للصورة المادّية، بل ظلّت ثابتة بفضل خبرة سابقة، أو بحكم تنظيمات مكانية خاصّة- لا يمكن أن تكون هي الصورة المنعكسة عن الواقع الموضوعي على مادّة الجهاز العصبي؛ لأنّ هذه الصورة المنعكسة تتغيّر تبعاً لزيادة البعد بين العين والواقع، وتلك الصورة المبصرة ثابتة.
والنتيجة الفلسفية التي نخرج بها من هذا البحث هي: أنّ الإدراك ليس مادّياً، كما تزعم الفلسفة المادّية؛ لأنّ مادّية الشيء تعني أحد أمرين: إمّا إنّه بالذات مادّة، وإمّا إنّه ظاهرة قائمة بالمادّة. والإدراك ليس بذاته مادّة، ولا هو ظاهرة قائمة بعضوٍ مادّي كالدماغ، أو منعكسة عليه؛ لأنّه يختلف في القوانين التي تسيطر عليه عن الصورة المادّية المنعكسة على العضو المادّي، فهو يملك من الخصائص الهندسية أوّلًا، ومن الثبات ثانياً، ما لا تملكه أيّ صورة مادّية منعكسة على الدماغ. وعلى هذا الأساس تؤمن الميتافيزيقية بأنّ الحياة العقلية- بما تزخر به من إدراكات وصور- أثرى ألوان الحياة وأرقاها؛ لأنّها حياة ترتفع عن مستوى المادّة وخصائصها.