وإنّما نطلق على تفسير الإدراك البصري بهذا: اسم التفسير العلمي؛ لأنّه يدخل في المجال التجريبي، أو الملاحظة المنظّمة؛ فإنّ إدراك الصيغة، وتغيّر الجزء تبعاً لتغيّرها تجريبي، ولذلك برهنت مدرسة (الجشطالت) على نظريتها بالتجربة التي توضّح أنّ الإنسان لا يدرك الأجزاء فحسب، بل يدرك شيئاً آخر كالشكل أو النغم، ولذلك قد تجتمع الأجزاء جميعاً، ومع ذلك لا يدرك ذلك الشكل أو النغم. فهناك- إذن- الصيغة التي تكشف الأجزاء جميعاً.
ولا نريد الآن أن نتوسّع في شرح التفسيرات العلمية لعملية الإدراك البصري ودراستها، وإنّما نرمي- من وراء ما قدّمناه- إلى تحديد موضع التفسير الفلسفي الذي نحاوله منها. فنقول بهذا الصدد:
إنّ الإدراك العقلي للصورة المبصرة يثير- بعد تلك الدراسات العلمية كلّها- سؤالًا، يواجهه الشكليون والارتباطيون على السواء، وهو: السؤال عن هذه الصورة التي أدركها العقل، وتكوّنت طبقاً لقوانين التداعي الآلي، أو طبقاً لقوانين الصيغة والشكل، فما هو كنهها؟ وهل هي صورة مادّية أو صورة مجرّدة عن المادّة؟ وهذا السؤال الأساسي هو الذي يصوغ المشكلة الفلسفية التي يجب على علم النفس الفلسفي دراستها ومعالجتها، وهو الذي تردّ عليه المادّية و الميتا فيزيقية بجوابين متناقضين.
ويبدو الآن من الواضح جدّاً: أنّ السيكولوجيا العلمية- أي: علم النفس التجريبي- لا تستطيع في هذا المجال أن تؤكّد على التفسير المادّي للإدراك، وتنفي وجود شيء في الحياة العقلية خارج المادّة، كما تزعم الفلسفة المادّية؛ لأنّ التجارب السيكولوجية- سواءٌ منها الذاتية والموضوعية- لا تمتدّ إلى ذلك المجال.