المصدر الأساسي للتصوّر البشري، والنظرية الحسّية لجون لوك الذي يعتبر المؤسس الأوّل للمدرسة الارتباطية، وانتهينا من دراستنا إلى أنّ بعض مفردات التصوّر والمعاني العقلية لا ترجع إلى الحسّ، بل هي من النشاط الفعّال الإيجابي للنفس.
وأمّا الناحية الثانية، فهي التي قامت بمعالجتها مدرسة (الجشطالت) فرفضت الدراسة التحليلية للحالات الشعورية، وردّت على التفسير الارتباطي الآلي لعمليات الإدراك، مؤكّدة على ضرورة دراسة كلّ واحدة من الخبرات ككلّ، وأنّ الكلّية ليست مجرّد صهر الخبرات الحسّية والتركيب بينها، بل لها طبيعة التنظيم العقلي الدينامي السائر طبق قوانين معيّنة.
ولنرَ الآن بعد إيضاح الاتّجاهين السابقين تفسيرهما العلمي لعمليات الإدراك البصري:
ففي ضوء الاتّجاه الارتباطي يقال: إنّ الصورة التي تنشأ على شبكية العين تنتقل جزءاً جزءاً إلى الدماغ؛ حيث توجد في جزء محدّد منه صورة مماثلة للصورة الحادثة على شبكية العين. وينشط العقل، فيضفي على هذه الصورة في الدماغ من خبرته السابقة المعاني التي ترتبط في أذهاننا بالبيت، طبقاً لقوانين التداعي الآلية، وينتج عن ذلك الإدراك العقلي لصورة البيت.
وأمّا في ضوء الاتّجاه الشكلي أو الكلّي، فالإدراك يتعلّق بالأشياء بجملتها وهيئاتها العامّة منذ الوهلة الاولى؛ لأنّ هناك صيغاً وأشكالًا أوّلية في العالم الخارجي، تناسب صيغ العقل وأشكاله، فيمكننا أن نفسّر تنظيم الحياة العقلية بتنظيم قوانين العالم الخارجي نفسها، لا بالتركيب والتداعي. فالجزء في الصيغة أو الكلّ إنّما يدرك تبعاً للكلّ، ويتغيّر تبعاً لتغيّر الصيغة.