لم يحدث.
وأمّا الجزء الثاني من النظرية، فهو يرتكز على الفكرة القائلة بانتقال الصفات المكتسبة بالوراثة. وقد انهارت هذه الفكرة على ضوء النظريات الجديدة في علم الوراثة، كما ألمعنا إليه سابقاً.
وهب أنّ قانون الوراثة يشمل العادات المكتسبة، فكيف تكون الأعمال الغريزية عادات موروثة مع أنّ بعض الأعمال الغريزية قد لا يؤدّيها الحيوان إلّا مرّة أو مرّات معدودة في حياته!
النظرية الثانية- تبدأ من حيث بدأت النظرية الاولى، فتفترض أنّ الحيوان اهتدى إلى العمل الغريزي عن طريق المحاولات المتكرّرة، وانتقل إلى الأجيال المتعاقبة، لا عن طريق الوراثة، بل بلون من ألوان التفهيم والتعليم الميسورة للحيوانات.
وتشترك هذه النظرية مع النظرية السابقة في الاعتراض الذي وجّهناه إلى الجزء الأوّل منها. وتختصّ بالاعتراض على ما زعمته: من تناقل العمل الغريزي عن طريق التعليم والتفهيم؛ فإنّ هذا الزعم لا ينسجم مع الواقع المحسوس، حتّى لو اعترفنا للحيوان بالقدرة على التفاهم؛ لأنّ عدّة من الغرائز تظهر في الحيوان منذ أوّل تكوّنه، قبل أن توجد أيّ فرصة لتعليمه، بل قد تولد صغار الحيوان بعد موت امّهاتها، ومع ذلك توجد فيها نفس غرائز نوعها. فهذه ثعابين الماء تهاجر من مختلف البرك والأنهار إلى الأعماق السحيقة؛ لتضع بيضها، وقد تقطع في هجرتها آلاف الأميال؛ لانتخاب البقعة المناسبة، ثمّ تضع البيض وتموت، وتنشأ الصغار، فتعود بعد ذلك إلى الشاطئ الذي جاءت منه امّاتها، وكأ نّها قد أشبعت خريطة العالم تحقيقاً وتدقيقاً. فعلى يد من تلقّت صغار الثعابين دروس الجغرافيا؟!
النظرية الثالثة- أعلنتها المدرسة السلوكية في علم النفس؛ إذ حاولت أن