الكبير؟ أو مَنْ ألهمها هذه العملية الحكيمة التي لا يتمّ التوليد إلّابها؟!
وإذا أردنا أن ندرس الغرائز بصورة أعمق، كان علينا أن نعرض أهمّ النظريات في تعليلها وتفسيرها، وهي عديدة:
النظرية الاولى- أنّ الحيوان اهتدى إلى الأفعال الغريزية بعد محاولات وتجارب كثيرة، فأدمن عليها وصارت بسبب ذلك عادة موروثة، يتوارثها الأبناء عن الآباء، دون أن يكون في تعلّمها موضع للعناية الغيبية.
وتحتوي هذه النظرية على جزأين:
أحدهما أنّ الحيوان توصّل أوّل الأمر إلى العمل الغريزي عن طريق المحاولة والتجربة.
والآخر أ نّه انتقل إلى الأجيال المتعاقبة، طبقاً لقانون الوراثة. ولا يمكن الأخذ بكلا الجزأين.
أمّا الجزء الأوّل من النظرية، فهو غير صحيح؛ لأنّ استبعاد الحيوان للمحاولة الخاطئة، والتزامه بالمحاولة الناجحة وحرصه عليها، يعني: أ نّه أدرك نجاحها وخطأ غيرها من المحاولات، وهذا ما لا يمكن الاعتراف به للحيوان، وخاصّة فيما إذا كان نجاح المحاولة لا يظهر إلّابعد موت الحيوان، كما في الفراش حين يصل إلى الطور الثالث من حياته؛ إذ يضع بيضه على هيئة دوائر على الأوراق الخضراء، فلا يفقس إلّافي الفصل التالي، فيخرج على هيئة ديدان صغيرة، في الوقت الذي تكون فيه الامّ قد ماتت، فكيف اتيح للفراش أن يعرف نجاحه فيما قام به من عمل، ويدرك أ نّه هيّأ بذلك للصغار رصيداً ضخماً من الغذاء، مع أ نّه لم يشهد ذلك؟! أضف إلى ذلك: أنّ الغريزة لو صحّ أ نّها وليدة التجربة، لأوجب ذلك تطوّر الغريزة وتكاملها في الحيوانات على مرّ الزمن، وتعزيزها على ضوء محاولات وممارسات اخرى، مع أنّ شيئاً من هذا