ولا يعني هذا كلّه أنّ اولئك الزعماء مقصّرون، أو أ نّهم غير جادّين في مذهبهم وغير مخلصين لعقيدتهم، وإنّما يعني: أ نّهم اصطدموا بالواقع حين أرادوا التطبيق، فوجدوا الطريق مليئاً بالمعاكسات والمناقضات التي تضعها الطبيعة الإنسانية أمام الطريقة الانقلابية للإصلاح الاجتماعي الذي كانوا يبشّرون به، ففرض عليه الواقع التراجعَ آملين أن تتحقّق المعجزة في وقت قريب أو بعيد.
وأمّا من الناحية السياسية، فالشيوعية تستهدف في نهاية شوطها الطويل إلى محو الدولة من المجتمع حين تتحقّق المعجزة، وتعمّ العقلية الجماعية كلَّ البشر، فلا يفكّر الجميع إلّافي المصلحة المادية للمجموع. وأمّا قبل ذلك، ما دامت المعجزة غير محقّقة، وما دام البشر غير موحَّدين في طبقة، والمجتمع ينقسم إلى قوىً رأسمالية وعمّالية، فاللازم أن يكون الحكم عمّالياً خالصاً، فهو حكم ديمقراطي في حدود دائرة العمّال، ودكتاتوري بالنسبة إلى العموم. وقد علَّلوا ذلك بأنّ الدكتاتورية العمّالية في الحكم ضرورية في كلّ المراحل التي تطويها الإنسانية بالعقلية الفردية؛ وذلك حمايةً لمصالح الطبقة العاملة، وخنقاً لأنفاس الرأسمالية، ومنعاً لها عن البروز إلى الميدان من جديد.
والواقع: أنّ هذا المذهب الذي يتمثَّل في الاشتراكية الماركسية، ثمّ في الشيوعية الماركسية يمتاز على النظام الديمقراطي الرأسمالي بأ نّه يرتكز على فلسفة مادّية معيّنة، تتبنّى فهماً خاصّاً للحياة، لا يَعترف لها بجميع المثُل والقيم المعنوية، ويعلِّلها تعليلًا لا موضع فيه لخالق فوق حدود الطبيعة، ولا لجزاء مرتقب وراء حدود الحياة المادّية المحدودة. وهذا على عكس الديمقراطية الرأسمالية؛ فإنّها وإن كانت نظاماً مادّياً ولكنّها لم تبنَ على أساس فلسفيٍّ محدَّد. فالربط الصحيح بين المسألة الواقعية للحياة والمسألة الاجتماعية آمنت به الشيوعية المادّية، ولم تؤمن به الديمقراطية الرأسمالية أو لم تحاول إيضاحه.