إلى علّة- طبقاً لمبدأ العلّية- دون استثناء، فالموجودات جميعاً تصبح بحاجة إلى علّة.
ويبقى سؤال: «لماذا؟»- هذا السؤال الضروري- منصبّاً على الوجود بصورة عامة، ولا يمكن أن نتخلّص من هذا السؤال إلّابافتراض سبب أوّل متحرّر من مبدأ العلّية؛ فإنّنا- حينئذٍ- ننتهي في تعليل الأشياء إليه، ولا نواجه فيه سؤال:
لماذا وجد؟ لأنّ هذا السؤال إنّما نواجهه في الأشياء الخاضعة لمبدأ العلّية خاصّة.
فلنأخذ الغليان مثلًا، فهو ظاهرة طبيعية محتاجة إلى سبب، طبقاً لمبدأ العلّية، ونعتبر سخونة الماء سبباً لها، وهذه السخونة هي كالغليان في افتقارها إلى علّة سابقة. وإذا أخذنا الغليان والسخونة كحلقتين في سلسلة الوجود، أو في تسلسل العلل والأسباب، وجدنا من الضروري أن نضع للسلسلة حلقة اخرى؛ لأنّ كلًا من الحلقتين بحاجة إلى سبب، فلا يمكنهما الاستغناء عن حلقة ثالثة، والحلقات الثلاث تواجه بمجموعها نفس المسألة، وتفتقر إلى مبرّر لوجودها ما دامت كلّ واحدة منها خاضعة لمبدأ العلّية. وهذا هو شأن السلسلة دائماً وأبداً ولو احتوت على حلقات غير متناهية. فما دامت حلقاتها جميعاً محتاجة إلى علّة، فالسلسلة بمجموعها مفتقرة إلى سبب، وسؤال (لماذا وجد؟) يمتدّ ما امتدّت حلقاتها، ولا يمكن تقديم الجواب الحاسم عليه ما لم ينته التسلسل فيها إلى حلقة غنية بذاتها غير محتاجة إلى علّة، فتقطع التسلسل، وتضع للسلسلة بدايتها الأزليّة الاولى[1].
وإلى هنا نكون قد جمعنا ما يكفي للبرهنة على انبثاق هذا العالم عن واجب
[1] وبالتعبير الفلسفي الدقيق: أنّ الشيء لا يوجد إلّاإذا امتنع عليه جميع أنحاء العدم، ومن جملة انحاء العدم، عدمه بعدم جميع أسبابه، وهذا لا يمتنع إلّاإذا كان يوجد في جملة أسبابه واجب بالذات.( المؤلّف قدس سره)