وضعها (غاليليو) و (نيوتن) للحركة الميكانيكية، مدّعياً- على أساس تلك القوانين- أنّ الحركة إذا حدثت بسبب فهي تبقى حتماً، ولا يحتاج استمرارها إلى علّة، خلافاً للقانون الفلسفي الذي ذكرناه.
ونحن إذا تعمّقنا في درس هذه المعارضة، وجدنا أ نّها تؤدّي في الحقيقة إلى إلغاء مبدأ العلّية رأساً؛ لأنّ حقيقة الحركة- كما سبق في الدراسات السابقة- عبارة عن التغيّر والتبدّل، فهي حدوث مستمرّ، أي: حدوث متّصل بحدوث، وكلّ مرحلة من مراحلها حدوث جديد، وتغيّر عقيب تغيّر. فإذا أمكن للحركة أن تستمرّ دون علّة، كان في الإمكان أن تحدث الحركة دون علّة، وأن توجد الأشياء ابتداءً بلا سبب؛ لأنّ استمرار الحركة يحتوي على حدوث جديد دائماً، فتحرّره من العلّة يعني تحرّر الحدوث من العلّة أيضاً.
ولأجل أن يتّضح عدم وجود مبرّر لهذه المعارضة من ناحية علمية، يجب أن نحدِّث القارئ عن قانون (القصور الذاتي) في الميكانيك الحديث الذي ارتكزت عليه المعارضة.
إنّ التفكير السائد عن الحركة قبل (غاليليو)، هو: أ نّها تتبع القوّة المحرّكة في مدى استمرارها وبقائها. فهي تستمرّ ما دامت القوّة المحرّكة موجودة، فإذا زالت سكن الجسم. ولكنّ الميكانيك الحديث وضع قانوناً جديداً للحركة.
وفحوى هذا القانون: أنّ الأجسام الساكنة والمتحرّكة، تبقى كذلك (ساكنة أو متحرّكة) إلى أن تتعرّض لتاثير قوّة اخرى كبرى بالنسبة لها، تضطرّها إلى تبديل حالتها.
والسند العلمي لهذا القانون هو: التجربة التي توضّح أنّ جهازاً ميكانيكياً متحرّكاً بقوّة خاصّة في شارع مستقيم، إذا انفصلت عنه القوّة المتحرّكة، فهو يتحرّك بمقدار مّا بعد ذلك، قبل أن يسكن نهائياً. ومن الممكن في هذه الحركة التي