تستعمل في تحليلها طريقة العلّة والمعلول في إطارها الديالكتيكي الخاصّ، فالماركسية ترفض السببية التي تسير على خطّ مستقيم، والتي تظلّ فيها العلّة خارجية بالنسبة إلى معلولها، والمعلول سلبياً بالنسبة إلى علّته؛ لأنّ هذه السببية تتعارض مع الديالكتيك، مع عملية النموّ والتكامل الذاتي في الطبيعة؛ إذ أنّ المعلول طبقاً لهذه السببية لا يمكن أن يجيء- حينئذٍ- أثرى من علّته وأكثر نموّاً؛ لأنّ هذه الزيادة في الثراء والنموّ تبقى دون تعليل. وأمّا المعلول الذي يولد من نقيضه فيتطوّر وينمو بحركة داخلية، طبقاً لما يحتوي من تناقضات، ليعود إلى النقيض الذي أولده فيتفاعل معه، ويحقّق عن طريقة الاندماج به مركّباً جديداً أكثر اغتناءً وثراءً من العلّة والمعلول منفردين، فهذا هو ما تعنيه الماركسية بالعلّة والمعلول؛ لأنّه يتّفق مع الديالكتيك ويعبّر عن الثالوث الديالكتيكي:
(الاطروحة، والطباق، والتركيب). فالعلّة هي الاطروحة، والمعلول هو الطباق، والمجموع المترابط منهما هو التركيب، والعلّية هنا عملية نموّ وتكامل عن طريق ولادة المعلول من العلّة، أي: الطباق من الاطروحة، والمعلول في هذه العملية لا يولد سلبياً، بل يولد مزوّداً بتناقضاته الداخلية التي تنمّيه وتجعله يحتضن علّته إليه في مركّب أرقى وأكمل.
وقد سبق في حديثنا عن الديالكتيك رأينا في هذه التناقضات الداخلية التي ينمو الكائن وفقاً لتوحّدها وصراعها في أعماقه، ونستطيع أن نعرف الآن- في ضوء مفهومنا الأعمق عن العلاقة بين العلّة والمعلول- خطأ الماركسية في مفهومها عن العلّية، وما تؤدّي إليه من نموّ المعلول وتكامل العلّة بالاندماج مع معلولها؛ فإنّ المعلول حيث كان لوناً من ألوان التعلّق والارتباط بعلّته، لا يمكن للعلّة أن تتكامل به في مركّب أرقى. وقد استعرضنا في كتاب (اقتصادنا) بعض تطبيقات ماركس لمفهومه الديالكتي عن العلّية على الصعيد التأريخي حيث