بين المتناقضات التي يضمّها الهيكل الاجتماعي العام، وإذا كان هذا التعليل التناقضي للحركة هو التفسير الوحيد للتأريخ والمجتمع، فسوف تسكن الحركة في نهاية المطاف حتماً، وتصبح فوارق التناقضات وحياتها الحركية سكوناً وجموداً؛ ذلك أنّ الماركسية تعتبر المرحلة التي تتوفّر على إنشائها، وتحاول إيصال الركب البشري إليها، هي: المرحلة التي تنعدم فيها الطبقية، ويعود المجتمع فيه مجتمع الطبقة الواحدة.
وإذا قضي على التنوّع الطبقي في المجتمع الاشتراكي المقترح، انطفأت شعلة الصراع، وتلاشت الحركات التناقضية نهائياً، وجمد المجتمع على شكل ثابت لا يحيد عنه؛ لأنّ الوقود الوحيد للتطوّر الاجتماعي- في رأي الماركسية- هو اسطورة التناقض الطبقي التي اخترعتها، فإذا زال هذا التناقض كان معنى ذلك: تحرّر المجتمع من أسر الديالكتيك، فيتنحّى الجدل عن مقام السيطرة والتحكّم في العالم.
وهكذا نعرف أنّ تفسير الماركسية للتطوّر الاجتماعي على أساس التناقض الطبقي، والاصول الديالكتيكية، يؤدّي إلى فرض حدّ نهائي لهذا التطوّر. وعلى العكس من ذلك ما إذا وضعنا جذوة التطوّر، أو وقود الحركة في الوعي أو الفكر، أو أي شيء غير التناقض الطبقي الذي تتّخذه الماركسية رصيداً عاماً لجميع التطوّرات والحركات.
أفليس من الجدير بعد هذا أن ننعت التفسير الديالكتي للتأريخ والمجتمع، بأ نّه هو وحده التفسير الذي يحتّم على البشرية الجمود والثبات، دون التفسير الذي يضع رصيد التطوّر في معين لا ينضب، وهو: الوعي بمختلف ألوانه؟!
ودع عنك بعد هذا ما مُني به التطوّر الديالكتي للفكر البشري- الذي تتشدّق به الماركسية- من تجميد على يد الماركسية نفسها حين اتّخذ الديالكتيك حقيقة