الأمثلة التي لا تنسجم معه، في زعمها، وبالتالي وضعت التناقض والصراع بين النقائض والأضداد قاعدة لمنطقها الجديد، وملأت الدنيا ضجيجاً بهذه القاعدة وتبجّحاً على المنطق البشري العامّ بابتكارها أو اكتشافها.
ولأجل أن نتبيّن مدى الخطأ الذي وقعت فيه الماركسية، والذي دفعها إلى رفض مبدأ عدم التناقض، وما يقوم عليه من مبادئ عامة للمنطق الميتافيزيقي، يجب أن نفرّق بوضوح بين أمرين: أحدهما الصراع بين أضداد ونقائض خارجية، والآخر الصراع بين أضداد ونقائض مجتمعة في وحدة معيّنة. فالثاني هو الذي يتنافى مع مبدأ عدم التناقض. وأمّا الأوّل فلا علاقة له بالتناقض مطلقاً؛ لأ نّه لا يعني اجتماع النقيضين أو الضدّين، بل مردّه إلى وجود كلّ منهما بصورة مستقلّة، وقيام كفاح بينهما يؤدّي إلى نتيجة معيّنة. فشكل الشاطئ- مثلًا- نتج عن فعل متبادل بين أمواج الماء وتيّاراته التي تصطدم بالأرض فتقرض الضفة من ناحية، وصمود الأرض في وجه التيار، ودفعها لتلك الأمواج إلى درجة معيّنة من ناحية اخرى. وشكل الإناء من الخزف نتج عن عملية قامت بين كتلة من الطين، ويد الخزّاف.
فإن كانت الماديّة الديالكتيكية تعني هذا اللون من الصراع بين الأضداد الخارجية، فهذا لا يتعارض مطلقاً مع مبدأ عدم التناقض، ولا يدعو إلى الإيمان بالتناقض الذي قام الفكر البشري منذ نشأ على رفضه؛ لأنّ الأضداد لم تجتمع في وحدة، وإنّما وجد كلّ منهما بوجود مستقلّ في مجاله الخاصّ، واشتركا في عمل متبادل، حصلا به على نتيجة معيّنة، وأيضاً فهو لا يبرّر الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن سبب خارجي. فشكل الشاطئ أو شكل الإناء لم يتحدّد ولم يوجد بتطوّر قائم على أساس التناقضات الداخلية، وإنّما حصل بعملية خارجية، حقّقها ضدّان مستقلّان.