أدوار حتّى ينتهي إلى (الرصاص). فهذا واقع موضوعي يشرحه العلم، ونكوّن على ضوئه مفهومنا الخاصّ عنه، فماذا تعني الماركسية بتطوّر المفهوم الذهني أو (الحقيقة) ديالكتيكياً طبقاً لتطوّر الواقع؟ فإن كانت تعني بذلك: أنّ نفس مفهومنا العلمي عن (اليورانيوم) يتطوّر تطوّراً ديالكتيكياً وطبيعياً تبعاً لتطوّر اليورانيوم نفسه، فيشعّ أشعّته الخاصّة، ويتحوّل في نهاية المطاف إلى رصاص، فهذا أقرب إلى حديث الظرف والفكاهة منه إلى الحديث الفلسفي المعقول.
وإن أرادت الماركسية: أنّ الإنسان يجب أن لا ينظر إلى اليورانيوم كعنصر جامد لا يتحرّك، بل يتابع سيره وحركته، ويكوّن مفهوماً عنه في كلّ مرحلة من مراحله، فليس في ذلك موضع للنقاش، ولا يعني حركة ديالكتيكية في الحقائق والمفاهيم؛ فإنّ كلّ مفهوم نكوّنه عن مرحلة معيّنة من مراحل تطوّر اليورانيوم، ثابت ولا يتطوّر ديالكتيكياً إلى مفهوم آخر، وإنّما يضاف إليه مفهوم جديد. وفي نهاية المطاف نملك عدّة من المفاهيم والحقائق الثابتة، يصوّر كلّ منها درجة خاصّة من الواقع الموضوعي، فأين الجدل والديالكتيك في الفكر؟! وأين ذلك المفهوم الذي يتطوّر طبيعياً تبعاً لتطوّر الواقع الخارجي؟!
هذا كلّ ما يتّصل بالمحاولة الماركسية الاولى وتفنيدها.
المحاولة الثانية- التي اتّخذتها الماركسية للتدليل على ديالكتيك الفكر وتطوّره هي: أنّ الفكر أو الإدراك ظاهرة من ظواهر الطبيعة، ونتاج عالٍ للمادّة، وبالتالي جزء من الطبيعة، فتحكمه نفس القوانين التي تسيطر على الطبيعة، ويتحرّك وينمو ديالكتيكياً، كما تتحرّك وتنمو جميع ظواهر الطبيعة.
ويلزمنا أن ننبّه على أنّ هذا الدليل يختلف عن الدليل السابق: ففي المحاولة السابقة كانت الماركسية تبرهن على وجود الحركة في الفكر عن طريق كونه انعكاساً للواقع المتحرّك، والانعكاس لا يحصل بصورة تامّة إذا لم ينعكس