الميكانيكية والحركة الطبيعية لا تتّصلان بسبب مجرّد، وأنّ الحركة الطبيعية ديناميكية، فهي تكتفي بنفسها؛ لأنّ الحقل التجريبي لم يبدُ فيه ما اعتقده الإلهيون من سبب مجرّد.
وهكذا يتّضح بكلّ جلاء أنّ التعارض بين الإلهية والمادّية ليس في الحقائق العلمية؛ فإنّ الإلهي كالمادّي يعترف بجميع الحقائق العلمية التي توضّحها التجارب الصحيحة عن جسم الإنسان وفزلجة أعضائه، وعن التطوّر والحركة في الطبيعة، وإنّما يزيد بوضع حقائق اخرى والاعتراف بها. فهو يبرهن على وجود جانب روحي مجرّد للإنسان غير ما ظهر منه في الميدان التجريبي، وعلى سبب مجرّد أعلى للحركات الطبيعية والميكانيكية فوق المجال المحسوس.
وما دمنا قد عرفنا أنّ الميدان العلمي ليس فيه إلهي ومادّي، نعرف أنّ الكيان الفلسفي للمادّية- باعتبارها مدرسة مقابلة للإلهية- إنّما يرتكز على نفي الحقائق المجرّدة، وإنكار الوجود خارج حدود الطبيعة والمادّة، لا على حقائق علمية إيجابية.
السؤال الثاني- إذا كان التعارض بين الإلهية والمادّية هو تعارض الإثبات والنفي، فأيّ المدرستين يقع على مسؤوليتها الاستدلال والبرهنة على اتّجاهها الخاصّ الإيجابي أو السلبي؟
وقد يحلو لبعض المادّيين في هذا المجال أن يتخلّص من مسؤولية الاستدلال، ويعتبر الإلهي هو المسؤول عن التدليل على مدّعاه؛ لأنّ الإلهي هو صاحب الموقف الإيجابي، أي: مدّعي الثبوت، فيجب عليه أن يبرّر موقفه ويبرهن على وجود ما يدّعيه.
ولكنّ الواقع: أنّ كلًا منهما مكلّف بتقديم الأدلّة والمدارك لاتّجاهه الخاصّ، فكما أنّ الإلهي يجب عليه أن يبرهن على الإثبات، كذلك المادّي هو