السؤال، وهو: أنّ المائز الأساسي للمدرسة المادّية في الفلسفة هو: النفي أو الناحية السلبية، لما يتراءى أ نّه فوق طاقة العلوم التجريبية. فلا يوجد في الحقل العلمي إذن- أي: في النواحي الإيجابية للعلم التي تبرهن عليها التجربة- إلهي ومادّي. فالفيلسوف سواءٌ أكان إلهياً أم مادّياً، يؤمن بالجانب الإيجابي من العلم، فهما من الناحيه العلمية يسلّمان- مثلًا- بأنّ (الراديوم) يولِّد طاقة من الإشعاع نتيجة لانقسام داخلي، وبأنّ الماء يأتلف من اوكسجين وهيدروجين، وبأنّ عنصر الهيدروجين هو أخفّ العناصر في وزنه الذرّي. ويؤمنان معاً بسائر الحقائق الإيجابية التي تظهر على الصعيد العلمي.
فليس في المسألة العلمية فيلسوف إلهي وآخر مادّي، وإنّما توجد هاتان الفلسفتان وتتعارض المادّية مع الإلهية، حينما تعرض مسألة الوجود فيما وراء الطبيعة. فالإلهي يعتقد بلون من الوجود مجرّد عن المادّة، أي: موجود خارج الحقل التجريبي، وظواهره وقواه. والمادّي ينكر ذلك ويقصر الوجود على ذلك الحقل الخاصّ، ويعتبر الأسباب الطبيعية التي كشفت عنها التجربة وامتدّت إليها يد العلم، هي الأسباب الأوّلية للوجود، وأنّ الطبيعة هي المظهر الوحيد له.
فبينما يقرّر الاتّجاه الإلهي: أنّ الروح الإنسانية أو ال (أنا)، ذات مجرّدة عن المادّة، وأنّ الإدراك والفكر ظواهر مستقلّة عن الطبيعة والمادّة، ينكر المادّي ذلك زاعماً أ نّه حلّل جسم الإنسان، وراقب عمليات الجهاز العصبي، فلم يجد شيئاً خارج الحدود الطبيعية والمادّية، كما يدّعي الإلهيون.
وكذلك يؤمن الاتّجاه الإلهي بأنّ التطوّرات والحركات التي يكشف عنها العلم- سواءٌ كانت حركات ميكانيكية تخضع لسبب مادّي خارجي، أم حركات طبيعية غير ناشئة من مؤثّرات مادّية معيّنة بالتجربة- ترجع في النهاية إلى سبب خارجي وراء سياج الطبيعة والمادّة. ويعارض في ذلك المادّي زاعماً أنّ الحركة