يطلق للعلم أوسع مجال لاستكشاف أسرار الطبيعة ونظامها، ويحتفظ لنفسه بالتفسير الإلهي في نهاية المطاف، وهو وضع السبب الأعمق في مبدأ أعلى من الطبيعة والمادّة.
فليست المسألة الإلهية- كما يشاء أن يصوّرها خصومها- مسألة أصابع تمتدّ من وراء الغيب، فتقطر الماء في الفضاء تقطيراً، أو تحجب الشمس عنّا، أو تحول بيننا وبين القمر، فيوجد بذلك المطر والكسوف والخسوف، فإذا كشف العلم عن أسباب المطر وعوامل التبخير فيه، وإذا كشف عن سبب الكسوف، وعرفنا أنّ الأجرام السماوية ليست متساوية الأبعاد عن الأرض، وأنّ القمر أقرب إليها من الشمس، فيتّفق أن يمرّ القمر بين الأرض والشمس فيحجب نورها عنّا، وإذا كشف العلم عن سبب الخسوف وهو: وقوع القمر في ظلّ الأرض، الذي يمتدّ وراءها إلى مسافة (900) ألف ميل تقريباً، أقول: إذا كملت هذه المعلومات لدى الإنسان، يخيّل لُاولئك المادّيين أنّ المسألة الإلهية لم يبقَ لها موضوع، وأنّ الأصابع الغيبية التي تحجب الشمس أو القمر عنّا، عوَّض عنها العلم بالتعليلات الطبيعية، وليس هذا إلّالسوء فهم للمسألة الإلهية، وعدم تمييز لموضع السبب الإلهي من سلسلة الأسباب.
الثالث- أنّ الطابع الروحي غلب على المثالية والإلهية معاً، حتّى أخذ يبدو أنّ الروحية في المفهوم الإلهي هي بمعناها في المفهوم المثالي، ونشأت عن ذلك عدّة اشتباهات؛ ذلك أنّ الروحية قد تعتبر وصفاً لكلّ من المفهومين. ولكنّنا لا نجيز مطلقاً أن يهمل التمييز بين الروحيتين، بل يجب أن نعرف أنّ الروحية في العرف المثالي يقصد بها: المجال المقابل للمجال المادّي المحسوس، أي: مجال الشعور والإدراك والأنا. فالمفهوم المثالي روحي على أساس أ نّه يفسّر كلّ كائن وكلّ موجود في نطاق هذا المجال، ويرجع كلّ حقيقة وكلّ واقع إليه. فالمجال