مثالي، وإذا أردت أن ترفض المثالية والذاتية، وتؤمن بواقع موضوعي مستقلّ عن ال (أنا)، فليس عليك إلّاأن تأخذ بالمفهوم المادّي للعالم، وتعتقد أنّ المادّة هي المبدأ الأوّل، وأنّ الفكر والشعور ليس إلّاانعكاساً لها ودرجة خاصّة من تطوّرها.
وهذا لا يتّفق مع الواقع مطلقاً كما عرفنا؛ فإنّ الواقعية ليست وقفاً على المفهوم المادّي، كما أنّ المثالية أو الذاتية ليست هي الشيء الوحيد الذي يعارض المفهوم المادّي، ويقف أمامه على الصعيد الفلسفي، بل يوجد مفهوم آخر للواقعية، هو: المفهوم الواقعي الإلهي الذي يعتقد بواقع خارجي للعالم والطبيعة، ويرجع الروح والمادّة معاً إلى سبب أعمق فوقهما جميعاً.
الثاني- ما اتّهم به بعض الكتّاب المفهوم الإلهي: من أ نّه يجمّد مبدأ العلّية في دنيا الطبيعة، ويلغي قوانينها ونواميسها التي يكتشفها العلم وتزداد وضوحاً يوماً بعد يوم، فهو في زعمهم يربط كلّ ظاهرة وكلّ وجود بالمبدأ الإلهي.
وقد لعب هذا الاتّهام دوراً فعّالًا في الفلسفة المادّية، حيث اعتبرت فكرة اللَّه هي فكرة وضع السبب المعقول لما يشاهده الإنسان من ظواهر الطبيعة وحوادثها، ومحاولة لتبرير وجودها، فتزول الحاجة إليها تماماً حين نستطيع أن نستكشف بالعلم والتجارب العلمية حقيقة الأسباب والقوانين الكونية التي تتحكّم في العالم، وتتولّد باعتبارها الظواهر والحوادث. وساعد على تركيز هذا الاتّهام ما كانت تلعبه الكنيسة في بداية النهضة العلمية في أوروبا، من أدوار خبيثة في محاربة التطوّر العلمي، ومعارضة ما يكشفه العلم من أسرار الطبيعة ونواميسها.
والحقيقة: أنّ المفهوم الإلهي للعالم لا يعني الاستغناء عن الأسباب الطبيعية، أو التمرّد على شيء من حقائق العلم الصحيح، وإنّما هو المفهوم الذي يعتبر اللَّه سبباً أعمق، ويحتّم على تسلسل العلل والأسباب أن يتصاعد إلى قوّة فوق الطبيعة والمادّة. وبهذا يزول التعارض بينه وبين كلّ حقيقة علمية تماماً؛ لأنّه