فمن الطبيعي- أيضاً- أن لا يباح الاضطلاع بمسؤوليّتها لفرد أو لمجموعة خاصّة من الأفراد- مهما كانت الظروف- ما دام لم يوجد الفرد الذي يرتفع في نزاهة قصده ورجاحة عقله على الأهواء والأخطاء.
فلا بدّ- إذن- من إعلان المساواة التامّة في الحقوق السياسية بين المواطنين كافةً؛ لأنّهم يتساوون في تحمُّل نتائج المسألة الاجتماعية، والخضوع لمقتضيات السلطات التشريعية والتنفيذية. وعلى هذا الأساس قام حقّ التصويت ومبدأ الانتخاب العامّ الذي يضمن انبثاق الجهاز الحاكم- بكلّ سلطاته وشُعَبه- عن أكثرية المواطنين.
والحرّية الاقتصادية ترتكز على الإيمان بالاقتصاد الحرّ، وتقرِّر فتح جميع الأبواب، وتهيئة كلّ الميادين أمام المواطن في المجال الاقتصادي. فيباح التملّك للاستهلاك وللانتاج معاً، وتباح هذه الملكية الانتاجية التي يتكوّن منها رأس المال من غير حدٍّ وتقييد، وللجميع على حدّ سواء. فلكلّ فرد مطلق الحرّية في انتهاج أيّ اسلوب وسلوك أيّ طريق لكسب الثروة وتضخيمها ومضاعفتها على ضوء مصالحه ومنافعه الشخصية.
وفي زعم بعض المدافعين عن هذه الحرّية الاقتصادية أنّ قوانين الاقتصاد السياسي- التي تجري على اصول عامّة بصورة طبيعية- كفيلة بسعادة المجتمع، وحفظ التوازن الاقتصادي فيه، وأنّ المصلحة الشخصية التي هي الحافز القوي والهدف الحقيقي للفرد في عمله ونشاطه، هي خير ضمان للمصلحة الاجتماعية العامّة. وأنّ التنافس الذي يقوم في السوق الحرّة، نتيجةً لتساوي المنتجين والمتّجرين في حقّهم من الحرّية الاقتصادية، يكفي وحده لتحقيق روح العدل والإنصاف في شتّى الاتفاقات والمعاملات. فالقوانين الطبيعية للاقتصاد تتدخّل- مثلًا- في حفظ المستوى الطبيعي للثمن، بصورة تكاد أن تكون آلية؛ وذلك أن