كانت مطابقة للواقع في ظرف معيّن، فلا يمكن أن تعود بعد ذلك فتخالف الواقع في ذلك الظرف بالذات، أقول: إذا علمنا ذلك كلّه يتجلّى بوضوح الخطأ في تطبيق قانون الحركة على الحقيقة؛ لأنّ الحركة تثبت التغيّر في الحقيقة، وتجعلها- دائماً- حقيقة نسبية وموقّتة بمرحلتها الخاصّة من التطوّر، وقد عرفنا أ نّه لا تغيّر ولا توقيت في الحقائق، كما أنّ التطوّر والتكامل في الحقيقة يعني: أنّ الفكرة تصبح بالحركة حقيقة بشكل أقوى، كما أنّ الحرارة ترتقي بالحركة إلى درجة أكبر، مع أنّ الحقيقة تختلف عن الحرارة. فالحرارة يمكن أن تشتدّ وتقوى، وأمّا الحقيقة فهي- كما عرفنا- تعبّر عن الفكرة المطابقة للواقع، ولا يمكن أن تقوى مطابقة الفكرة للواقع وتشتدّ كما هو شأن الحرارة، وإنّما يجوز أن ينكشف للفكر الإنساني جانب جديد من ذلك الواقع لم يكن يعلم به قبل ذلك، غير أنّ هذا ليس تطوّراً للحقيقة المعلومة سلفاً، وإنّما هو حقيقة جديدة يضيفها العقل إلى الحقيقة السابقة.
فإذا كنّا نعرف- مثلًا- أنّ ماركس تأثّر بمنطق هيجل، فهذه المعرفة هي الحقيقة الاولى التي عرفناها عن علاقة ماركس بفكر هيجل. وحين نطالع بعد ذلك تأريخه وفلسفته نعرف أ نّه كان على النقيض من مثالية هيجل، كما نعرف أ نّه اتّخذ جدله فطبّقه تطبيقاً مادّياً على التأريخ والاجتماع، إلى غير ذلك من العلاقات الفكرية بين الشخصين. فكلّ هذه معارف جديدة تكشف عن جوانب مختلفة من الواقع، وليست نموّاً وتطوّراً للحقيقة الاولى التي حصلنا عليها منذ البدء.
وليس تحمّس المدرسة الماركسية لإخضاع (الحقيقة) لقانون الحركة والتطوّر، إلّالأجل القضاء على الحقائق المطلقة التي تؤمن بها الفلسفة الميتافيزيقية.