واختلافها في كثير من الأحايين. بل لا يمكن البت- حينئذٍ- بحقيقة مهما كانت، ما لم تمرّ بتجربة اجتماعية طويلة الأمد. ومعنى ذلك: أنّ (جيمس) نفسه لا يمكنه أن يعتبر مذهبه (البراجماتزم) صحيحاً ما لم يمرّ بهذه التجربة، ويثبت جدارته في الحياة العملية. وهكذا يوقف المذهب نفسه.
ثالثاً- أنّ وجود مصلحة للإنسان في صدق فكرة ما، لا يكفي لإمكان التصديق بها. فالملحد لا يمكنه أن يصدّق بالدين ولو آمن بدوره الفعّال في تسلية الإنسان، وإنعاش آماله ومؤاساته في حياته العملية. فهذا (جورج سنتيانا) يصف الإيمان بأ نّه «غلطة جميلة، أكثر ملاءمة لنوازع النفس من الحياة نفسها»[1]. فليس التصديق بفكرة نظير الألوان الاخرى من النشاط العملي التي يمكن للإنسان أن يقوم بها إذا تحقّق من فائدتها. وهكذا يقوم (البراجماتزم) على عدم التفرقة بين التصديق (النشاط الذهني الخاصّ) ومختلف النشاطات العملية التي يباشرها الإنسان على ضوء مصالحه وفوائده.
ونخلص من هذه الدراسة إلى أنّ المفهوم الوحيد (للحقيقة) الذي يمكن للفلسفة الواقعية اتّخاذه، هو: (الفكرة المطابقة للواقع).
والماركسية التي تنادي بإمكان المعرفة الحقيقية، وترفض لأجل ذلك النزعات التصوّرية والشكّية والسفسطائية، إن كانت تعني ب (الحقيقة) مفهوماً آخر غير مفهومها الواقعي، فهي لا تتعارض مع تلك المذاهب مطلقاً؛ لأنّ مذاهب الشكّ والسفسطة إنّما ترفض (الحقيقة) بمعنى الفكرة المطابقة للواقع، ولا ترفض لفظ (الحقيقة) بأيّ مفهوم كان. فلا يمكن للماركسية أن تبرأ من نزعات الشكّ والسفسطة لمجرّد اتّخاذ لفظ (الحقيقة) وبلورته في مفهوم جديد.
[1] قصّة الفلسفة الحديثة 2: 402