وهل تحتوي كلّ حقيقة على نقيضها، وتنمو بهذا التناقض الداخلي؟
هذا ما نريد أن نتبيّنه فعلًا.
أ- تطوّر الحقيقة وحركتها:
يجب قبل كلّ شيء أن نعرف ماذا يراد بالحقيقة القائمة في الفكر الإنساني التي آمنت الماركسية بنموّها وتكاملها؟
إنّ الفلسفة الواقعية تؤمن بواقع خارج حدود الشعور والذهن، وتعتبر التفكير- أيّ تفكير كان- محاولة لعكس ذلك الواقع وإدراكه. وعلى هذا، فالحقيقة هي الفكرة المطابقة لذلك الواقع والمماثلة له. والخطأ يتمثّل في الفكرة أو الرأي أو العقيدة التي لا تطابق الواقع ولا تماثله. فالمقياس الفاصل بين الحقّ والباطل، بين الحقيقة والخطأ هو: مطابقة الفكرة للواقع.
والحقيقة بهذا المفهوم الواقعي هي موضوع العراك الفلسفي العنيف بين الواقعيين من ناحية، والتصوّريين والسفسطائيين من ناحية اخرى. فالواقعيون يؤكّدون على إمكانها، والتصوّريون أو السفسطائيون ينفونها أو يتردّدون في القدرة البشرية على الظفر بها.
غير أنّ لفظ (الحقيقة) قد استحدثت له عدّة معانٍ اخرى، تختلف كلّ الاختلاف عن مفهومها الواقعي الآنف الذكر، وابتعد بذلك عن الميدان الأساسي للصراع بين فلسفة اليقين، وفلسفات الشكّ والإنكار.
فمن تلك التطويرات الحديثة التي طرأت على الحقيقة، تطوير النسبية الذاتية الذي شاء أن يضع للفظ (الحقيقة) مفهوماً جديداً. فاعتبر (الحقيقة) عبارة عن الإدراك الذي يتّفق مع طبيعة الجهاز العصبي وشروط الإدراك فيه. وقد مرّ حديثنا عن النسبيّة الذاتية، وقلنا: إنّ إعطاء (الحقيقة) هذا المفهوم يعني: أ نّها