الأوّل- أنّ العلم البشري لمّا كان يرتكز- في نظر المبدأ الحسّي التجريبي- على الحسّ، والحسّ لا يتناول إلّاظواهر الطبيعة، ولا ينفذ إلى الصميم والجوهر، فهو مقصور على هذه الظواهر التي يمتدّ إليها الحسّ التجريبي، وتقوم بذلك هوّة فاصلة بين الظواهر والجوهر. فالظواهر هي الأشياء لذاتنا؛ لأنّها الجانب السطحي القابل للإدراك من الطبيعة، والجوهر هو الشيء في ذاته، ولا تنفذ إليه المعرفة البشرية.
ويحاول (جورج بوليتزير) القضاء على هذه الثنائية بحذف المادّة أو الجوهر من الواقع الموضوعي، فهو يؤكّد على أنّ الجدل لا يميّز بين صفات الشيء والشيء في ذاته، بل يعتبر الشيء عبارة عن مجموعة الصفات والظواهر.
ومن الواضح: أنّ هذا لون من ألوان المثالية التي نادى بها (باركلي) حين احتجّ على اعتقاد الفلاسفة بوجود مادّة وجوهر وراء الصفات والظواهر التي تبدو لنا في تجاربنا، وهو لون من المثالية يحتّمه المبدأ الحسّي والتجريبي. فما دام الحسّ هو القاعدة الأساسية للمعرفة، وهو لا يدرك سوى الظواهر، فلا بدّ من إسقاط الجوهر من الحساب، وإذا سقط فلا يبقى في الميدان إلّاالظواهر والصفات القابلة للإدراك.
الثاني- أنّ الظواهر- التي يمكن إدراكها ومعرفتها- ليست هي في مداركنا وحواسّنا كما هي في واقعها الموضوعي. فالثنائية ليست هنا بين الظاهرة والجوهر، بل بين الظاهرة كما تبدو لنا، والظاهرة كما هي موجودة بصورة موضوعية مستقلّة.
فهل تستطيع الماركسية أن تقضي على هذه الثنائية؟ وتبرهن على أنّ الواقع الموضوعي يبدو لنا في أفكارنا وحواسنا كما هو في مجاله الخارجي المستقلّ؟