هذا الواقع الموضوعي، فلا يمكن أن يقال عنه: إنّه غير قابل للمعرفة، فمن السخف أن تقول- مثلًا- شخصيّتك شيء وصفاتك وعيوبك شيء آخر، وأنا أعرف صفاتك وعيوبك ولكنّني لا أعرف شخصيّتك؛ ذلك لأنّ الشخصية هي بالضبط مجموع العيوب والصفات، وكذلك فنّ التصوير هو جماع أعمال الصور، فمن السخف أن نقول: هناك اللوحات والرسّامون والألوان والأساليب والمدارس، ثمّ هناك (تصوير) في ذاته معلّقاً فوق الواقع وغير قابل للمعرفة.
فليس هناك قسمان للواقع، بل الواقع كلّ واحد نكشف بالتطبيق وجوهه المختلفة على التوالي. وقد علّمنا الجدل أنّ الصفات المختفية للأشياء تكشف عن نفسها بواسطة الصراع الباطن للأضداد، وهو الذي يصنع التغيير، فحالة السيولة في ذاتها هي بالضبط حالة الاتّزان النسبي الذي ينكشف تناقضه الباطن في لحظة التجمّد أو الغليان. ومن هنا قال لينين:
«لا يوجد ولا يمكن أن يوجد أيّ فارق مبدئي بين الظاهرة والشيء في ذاته، وليس ثمّة فرق إلّابين ما هو معروف وبين ما يعرف بعد» فكلّما ازداد عمق معرفتنا للواقع، أصبح الشيء في ذاته تدريجياً شيئاً لذاتنا»[1].
ولأجل أن ندرس الماركسية في هذا النصّ، يجب أن نميّز بين معنيين لفكرة فصل الشيء في ذاته عن الشيء لذاتنا:
[1] المادّية والمثالية في الفلسفة: 108- 109