أو نكوِّن معنى شيء يختلف عن التصوّرات والانفعالات، فلنوجّه انتباهنا إلى الخارج ما استطعنا ولتثب مخيلتنا إلى السماوات أو إلى أقاصي الكون، فلن نخطو أبداً خطوة إلى ما بعد أنفسنا، ولهذا فلا يمكن أن نجيب على المسألة الأساسية في الفلسفة التي يتصارع عندها المثاليون والواقعيون، فالمثالية تزعم أنّ الواقع قائم في الشعور والإدراك، والواقعية تؤكّد على أ نّه موجود بصورة موضوعية مستقلّة، والشكّية ترفض أن تجيب على المسألة؛ لأنّ الردّ عليها مستحيل، فلترجأ المسألة إلى الأبد.
والواقع: أنّ (دافيد هيوم) لم يزد على حجج (باركلي) شيئاً، وإن زاد عليه في الشكّ والعبث بالحقائق، فلم يقف في شكّيته عند المادّة الخارجية، بل أطاح بالحقيقتين اللتين احتفظ بهما (باركلي) في فلسفته- وهما النفس واللَّه- تمشّياً مع المبدأ الحسّي إلى النهاية، فقد اتّخذ لذلك نفس اسلوب (باركلي) وطريقته، فكما أنّ الجوهر المادّي لم يكن في رأي (باركلي) إلّامجموعة من الظواهر المركّبة تركيباً صناعياً في الذهن، كذلك النفس ما هي إلّاجملة من الظواهر الباطنية وعلاقاتها، ولا يمكن إثبات (الأنا)- النفس- بالشعور؛ لأنّني حين أنفذ إلى صميم ما اسمّيه (أنا) أقع دائماً على ظاهرة جزئية، فلو ذابت الإدراكات جميعاً لم يبقَ شيء أستطيع أن اسمّيه (أنا).
وفكرة (اللَّه) تقوم على مبدأ العلّية، ولكنّ هذا المبدأ لا يمكن التسليم بصحّته بزعم (دافيد)؛ لأنّ الحسّ لا يطلعنا على ضرورة بين الظواهر والحوادث، وإنّما ترجع فكرة العلّية إلى مجرّد عادة، أو إلى لون من ألوان تداعي المعاني.
وهكذا بلغ (دافيد) بالنظرية الحسّية والمذهب التجريبي إلى ذروتهما التي يؤدّيان إليها طبيعياً، وبدلًا من أن يبرهن عن هذا الطريق على رفض المبدأ