المثالي من نقطة لا نقاش فيها، وهي: أنّ الشكل الذاتي للإحساس البشري يتوقّف تحديده على تركيب حواسّنا وعلى الجهاز العضوي بصورة عامّة. فليست طبيعة الإحساس الآتي من العالم الخارجي هي التي تحدّد بمفردها شكل الشيء في إحساسنا، بل هو رهين بطبيعة الجهاز العصبي قبل كلّ شيء، وقد زعموا بناءً على ذلك أنّ الحاسّة لا تعطينا أنباء عن العالم الخارجي، وإنّما هي تنبئنا عن جهازنا العضوي الخاصّ، وليس معنى ذلك: أنّ الإحساس لا صلة له بالشيء الخارجي، بل الأشياء الخارجية هي الأسباب الأوّلية لإثارة العمليات الحسّية في أعضائنا، ولكن طبيعة الجهاز الخاصّ هي التي تبلور عملية الإحساس في الكيفية التي يعبّر بها عن نفسه، ولأجل هذا فالإحساس يمكن أن يعتبر بمثابة رمز وليس بمثابة صورة؛ ذلك لأنّ الصورة يتطلّب منها بعض الشبه مع الشيء الذي تمثّله، وأمّا الرمز فلا يلزم أن يكون له أيّ شبه مع الشيء الذي يعنيه.
وهذا الاتّجاه المثالي من المضاعفات اللازمة للمفهوم المادّي للإدراك الذي نرفضه كلّ الرفض، فإنّ الإدراك إذا كان عبارة عن عملية فيزيولوجية خالصة، وتفاعل مادّي خاصّ بين الجهاز العصبي والأشياء الموضوعية في الخارج، فيجب أن تكون كيفية هذا العمل الفيزيولوجي هنا مرتبطة بطبيعة الجهاز العصبي، أو بطبيعة الجهاز وطبيعة الشيء الموضوعي معاً. وهذا، وإن لم يكن مؤدّياً إلى مثالية صريحة ونفي لواقع العالم الموضوعي ما دمنا قد احتفظنا للأشياء الخارجية بصفة السببية لعمليات الجهاز العصبي، إلّاأ نّه قد يسمح بالتشكيك في مدى مطابقة الإحساس للواقع الموضوعي، والريب في أن لا يكون الإدراك مجرّد انفعال خاصّ يدلّ على سببه بصورة رمزية من دون تشابه في الحقيقة والمحتوى. وسوف نعود إلى هذا المفهوم المثالي الفيزيولوجي عن قريب.