إلى الواقع الموضوعي عن طريق أفكارنا ما دمنا قد اعترفنا بأ نّها لا تملك كشفاً ذاتياً عن ذلك الواقع.
ولأجل أن نجيب على هذا الدليل يلزمنا أن نعرف ما هو معنى الكشف الذاتي للعلم؟ إنّ الكشف الذاتي للعلم معناه: أن يرينا متعلّقه ثابتاً في الواقع الخارج عن حدود إدراكنا وشعورنا: فعلمنا بأنّ الشمس طالعة وأنّ المثلّث غير المربّع يجعلنا نرى طلوع الشمس ومغايرة المثلّث للمربّع ثابتين في واقع مستقلّ عنّا، فهو يقوم بدور المرآة، وإراءته لنا ذلك هي كشفه الذاتي، وليس معنى هذه الإراءة: أنّ طلوع الشمس موجود في الخارج حقّاً، وأنّ مغايرة المثلّث للمربّع ثابتة في الواقع؛ فإنّ كون الشيء ثابتاً في الواقع غير كونه مرئياً كذلك، وبذلك نعرف أنّ الكشف الذاتي للعلم لا يتخلّف عنه حتّى في موارد الخطأ والاشتباه، فإنّ علم القدماء بأنّ الشمس تدور حول الأرض كان له من الكشف الذاتي بمقدار ما لعلمنا بدوران الأرض حول الشمس من كشف، بمعنى: أ نّهم كانوا يرون دوران الشمس حول الأرض أمراً ثابتاً في الواقع بصورة مستقلّة عنهم، فوجود هذا الدوران بصورة موضوعية كان مرئياً لهم، أي: أ نّهم كانوا يصدِّقون بذلك وإن لم يكن ثابتاً في الواقع[1].
فالإنسان بطبيعته- إذن- يخرج من التصوّرية إلى الموضوعية بالعلم
[1] وبالتعبير الفلسفي المصطلح: أنّ التضايف القائم بين الكاشف وهو العلم، والمنكشف بالعرض وهو الشيء الخارج عن حدود العلم، ليس ثابتاً بين وجود الكاشف ووجود المنكشف بالعرض، ليمتنع انفكاك أحدهما عن الآخر، وإنّما هو بين الكاشفية الذاتية للعلم والمنكشفية بالعرض للشيء الخارج عن حدود العلم، ومن الواضح: أنّ الأمرين متلازمان ولا يمكن انفكاكهما مطلقاً.( المؤلّف قدس سره)