[أهمّ المذاهب الفلسفيّة في قيمة المعرفة]
1- آراء اليونان:
اجتاحت التفكير اليوناني موجة من السفسطة في القرن الخامس قبل الميلاد، في عصر راجت فيه طريقة الجدل في ميادين الخطابة والمحاماة، وتضاربت فيه الآراء الفلسفية والفرضيات غير التجريبية تضارباً شديداً، ولم يكن الفكر الفلسفي قد تبلور، ولم يبلغ درجة عالية من الرشد العقلي، فكان هذا الصراع والتضارب بين المتناقضات الفلسفية سبباً لبلبلة فكرية وارتياب جَذري.
وكانت مَلَكَة الجدل تغذّي ذلك بما تُلهم أبطالها الجدليين من شبهات وأقيسة خاطئة، أنكروا على أساسها العالم برفض جميع الركائز الفكرية للإنسان وإنكار المحسوسات والبديهيات.
وقد وضع (غورغياس)- أحد أبطال هذه المدرسة- كتاباً في (اللاوجود) وحاول أن يبرهن فيه على عدّة قضايا: الاولى، لا يوجد شيء. الثانية، إذا كان يوجد شيء فالإنسان قاصر عن إدراكه. الثالثة، إذا فرضنا أنّ إنساناً أدركه فلن يستطيع أن يبلغه لغيره[1].
وقد عاشت السفسطة ردحاً من الزمن تتفنّن في عبثها بالفلسفة والعلم حتّى بزغ سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، فكانت لهم مواقف جبّارة ضدّها.
ووضع أرسطو للكشف عن مغالطات السفسطة وتنظيم الفكر الإنساني منطقه المعروف، وخلاصة مذهبه في نظرية المعرفة: أنّ المعلومات الحسّية
[1] راجع المرجع في الفكر الفلسفي: 57، د. نوال الصرّاف الصائغ