لمعارف عقلية قبلية، فلا جناح على القضية الفلسفية إذا ارتبطت مع معطياتها الحسّية بروابط عقلية وفي ضوء معارف قبلية.
وإلى هنا لم نجد في الوضعية شيئاً جديداً غير معطيات المذهب التجريبي ومفاهيمه عن الميتافيزيقا الفلسفية، غير أنّ الصفة الثالثة تبدو لنا شيئاً جديداً؛ لأنّ الوضعية تقرّر فيها: أنّ القضية الفلسفية لا معنىً لها إطلاقاً، ولا تعتبر قضية، بل هي شبه قضية.
ويمكننا القول: بأنّ هذا الاتّهام هو أشدّ ضربة وُجِّهت إلى الفلسفة من المدارس الفلسفية للمذهب التجريبي، فلنفحص محتواه باهتمام.
ولكي يتاح لنا ذلك يجب أن نعرف بالضبط ماذا تريد الوضعية بكلمة (المعنى) في قولنا: إنّ القضية الفلسفية لا معنى لها وإن أمكن تفسيرها في قواميس اللغة؟
ويجيب على ذلك الاستاذ آير- إمام الوضعية المنطقية الحديثة في انكلترا- بأنّ كلمة (معنىً) في رأي الوضعية تدلّ على المعنى الذي يمكن التثبّت من صوابه أو خطئه في حدود الخبرة الحسّية، ونظراً إلى أنّ القضية الفلسفية لا يمكن فيها ذلك، فهي قضية بدون معنىً[1].
وفي هذا الضوء تصبح العبارة القائلة: (القضية الفلسفية لا معنىً لها) معادلة تماماً لقولنا: (محتوى القضية الفلسفية لا يخضع للتجربة؛ لأنّه يتّصل بما وراء الطبيعة)، وبذلك تكون الوضعية قد قرّرت حقيقة لا شكّ فيها ولا جدال، وهي: أنّ مواضيع الميتافيزيقا الفلسفية ليست تجريبية، ولم تأتِ بشيء جديد إلّاتطوير كلمة (المعنى) ودمج التجربة فيها، وتجريد القضية الفلسفية عن المعنى في ضوء
[1] اسس الفلسفة، د. توفيق الطويل: 277