(الطريقة العقلية في التفكير، أو السير الفكري من القضايا العامّة إلى قضايا أخصّ منها).
وظلّت الفلسفة تسيطر على الموقف الفكري للإنسانية حتّى بدأت التجربة تشقّ طريقها، وتقوم بدورها في حقول كثيرة وهي تتدرّج في المعرفة من الجزئيات إلى الكلّيات: من موضوعات التجربة إلى قوانين أعمّ وأشمل، فكان على الفلسفة أن تنكمش وتقتصر على مجالها الأصيل، وتفسح المجال لمزاحمها الجديد- العلم- لينشط في سائر المجالات الاخرى، وبذلك انفصلت العلوم عن الفلسفة، وتحدّدت لكلّ منهما أداته الخاصّة ومجاله الخاصّ، فالفلسفة تصطنع القياس أداة عقلية للتفكير، والعلم يستخدم الطريقة التجريبية ويتدرّج من الجزئيات إلى قوانين أعلى.
كما أنّ العلم- كلّ علم- يتناول شعبة من الوجود ونوعاً خاصّاً له يمكن إخضاعه للتجربة، فيبحث عن ظواهره وقوانينه في ضوء التجارب التي يمارسها.
وأمّا الفلسفة فتتناول الوجود بصورة عامّة دون تحديد أو تقييد، وتبحث عن ظواهره وأحكامه التي لا تخضع للتجربة المباشرة. فبينما يبحث العالم الطبيعي عن قانون تمدّد الفلزات بالحرارة، والعالم الرياضي عن النسبة الرياضية بين قطر الدائرة ومحيطها، يدرس الفيلسوف ما إذا كان للوجود مبدأ اوّل انبثق منه الكون كلّه، وما هو جوهر العلاقة بين العلّة والمعلول، وهل يمكن أن يكون لكلّ سبب سبب إلى غير نهاية؟ وهل المحتوى الإنساني مادّي محض، أو مزاج من المادّية والروحية؟
وواضح من أوّل نظرة: أنّ محتوى الأسئلة التي يثيرها العالم يمكن إخضاعها للتجربة، ففي إمكان التجربة أن تقدّم الدليل على أنّ الفلزات تتمدّد بالحرارة، وأنّ القطر مضروباً في 14100 3 يساوي محيط الدائرة، وعلى العكس من