فالمبدأ التشريعي القائل مثلًا: إنّ من عمل في أرض وأنفق عليها جهداً حتّى أحياها فهو أحقّ بها من غيره يعتبر في نظر الإسلام عادلًا؛ لأنّ من الظلم أن يساوى بين العامل الذي أنفق على الأرض جهده وغيره ممّن لم يعمل فيها شيئاً.
ولكنّ هذا المبدأ بتطوّر قدرة الإنسان على الطبيعة ونموّها يصبح من الممكن استغلاله، ففي عصر كان يقوم إحياء الأرض فيه على الأساليب القديمة لم يكن يتاح للفرد أن يباشر عمليّات الإحياء إلّافي مساحات صغيرة، وأمّا بعد أن تنمو قدرة الإنسان وتتوفّر لديه وسائل السيطرة على الطبيعة فيصبح بإمكان أفراد قلائل ممّن تؤاتيهم الفرصة أن يحيوا مساحة هائلة من الأرض باستخدام الآلات الضخمة ويسيطروا عليها، الأمر الذي يزعزع العدالة الاجتماعيّة ومصالح الجماعة. فكان لا بدّ للصورة التشريعيّة من منطقة فراغ يمكن ملؤها حسب الظروف، فيسمح بالإحياء سماحاً عامّاً في العصر الأوّل ويمنع الأفراد في العصر الثاني- منعاً تكليفيّاً- عن ممارسة الإحياء، إلّافي حدود تتناسب مع أهداف الاقتصاد الإسلامي وتصوّراته عن العدالة.
وعلى هذا الأساس وضع الإسلام منطقة الفراغ في الصورة التشريعيّة التي نظّم بها الحياة الاقتصاديّة؛ لتعكس العنصر المتحرّك وتواكب تطوّر العلاقات بين الإنسان والطبيعة، وتدرأ الأخطار التي قد تنجم عن هذا التطوّر المتنامي على مرّ الزمن.
منطقة الفراغ ليست نقصاً:
ولا تدلّ منطقة الفراغ على نقص في الصورة التشريعيّة، أو إهمالٍ من الشريعة لبعض الوقائع والأحداث، بل تعبّر عن استيعاب الصورة وقدرة الشريعة