إلى صوف فلا يستطيع الحصول عليه من منتج الصوف في مقابل الحنطة، إلّاإذا كان صاحب الصوف بدوره محتاجاً إلى حنطة. والراعي إذا أراد الحصول على حاجته اليوميّة من الحنطة فسوف لن يقدر على ذلك عن طريق المقايضة؛ لأنّ الغنم الذي يرعاه تزيد قيمته على قيمة الحنطة التي يودّ الحصول عليها لحاجته اليوميّة، ولا يمكنه تجزئة الغنم لأجل ذلك.
وإضافة إلى هذا فإنّ المبادلة المباشرة للمنتجات كانت تواجه صعوبة تقدير قِيم الأشياء المعدّة للمبادلة؛ إذ كان لا بدّ لمعرفة قيمة السلعة من مقارنتها بجميع السلع الاخرى، حتّى تعرف قيمتها بالنسبة إليها جميعاً[1] فكان اختراع النقد علاجاً لهذه المشاكل كلّها؛ إذ قام بدور المقياس العامّ للقيمة من ناحية، وأصبح أداة للمبادلة من ناحية اخرى، فهو من الناحية الاولى يستخدم كمحدّد لقِيم الأشياء، فمبقارنة سائر السلع بالسلعة التي انتجت لتكون نقداً تحدّد قيمتها. ومن الناحية الثانية يستعمل النقد وسيلة للتداول، فبعد أن كان التداول يقوم على أساس المقايضة وبيع حنطة بصوف جاءت النقود فحوّلت عمليّة البيع هذه إلى عمليّتين وهما البيع والشراء، فصاحب الحنطة يبيع الحنطة بمائة درهم، ثمّ يمارس عمليّة اخرى فيشتري بهذا النقد حاجته من الصوف. وبهذا قامت مبادلتان مقام المبادلة المباشرة بين المنتجات، وزالت بسبب ذلك كلّ الصعوبات التي كانت تنجم عن نظام المقايضة.
وهكذا نعرف أنّ الدور الأصيل الذي وجد النقد ليمارسه هو دور المقياس العام للقيمة، والأداة العامّة في التداول.
ولكنّ النقد بعد ذلك لم يقتصر على أداء دوره وممارسة وظيفته في التغلّب
[1] راجع الكتاب الأوّل، مبحث: التداول