في تصوير هذه النظرة الطريقيّة إلى الملكيّة- النظرة إليها بما هي أداة- عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أ نّه قال: «ليس لك من مالك إلّاما أكلت فأفنيت، ولبست فأبليت، وتصدّقت فأبقيت»[1]. وقال في نصّ آخر: «يقول العبد مالي مالي وإنّما له من ماله ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس»[2].
وقد قاوم الإسلام النظرة الغائيّة إلى الملكيّة- النظرة إليها بما هي غاية- لا بالتعديل من مفهومها وتجريدها عن امتيازاتها في غير مجالها الأصيل فحسب، بل قام إلى صفّ ذلك بعمل إيجابي لمقاومة تلك النظرة، ففتح بين يدي الفرد المسلم افقاً أرحب من المجال المحدود والمنطلق المادّي العاجل، وخطّاً أطول من الشوط القصير للملكيّة الخاصّة الذي ينتهي بالموت، وبشّر المسلم بمكاسب من نوع آخر أكثر بقاءً وأقوى إغراءً وأعظم نفعاً لمن آمن بها. وعلى أساس تلك المكاسب الاخرويّة الباقية قد تصبح الملكيّة الخاصّة أحياناً حرماناً وخسارة إذا حالت دون الظفر بتلك المكاسب، كما قد يصبح التنازل عن الملكيّة عمليّة رابحة إذا أدّت إلى تعويضٍ أضخم من مكاسب الحياة الآخرة. وواضح أنّ الإيمان بهذا التعويض وبالمنطلق الأوسع والمدى الأرحب للمكاسب والأرباح يقوم بدور إيجابي كبير في إطفاء البواعث الأنانيّة للملكيّة وتطوير النظرة الغائيّة إلى نظرة طريقيّة. قال اللَّه تعالى: «وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ»[3]، «وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَ ما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَ ما
[1] كنز العمّال 6: 358، الحديث 16046، مع اختلافٍ يسير
[2] المصدر السابق: الحديث 16045، مع اختلافٍ يسير
[3] سورة سبأ: 39