ونحن إذا فحصنا هذا المفهوم وجدنا أ نّه لا يفسّر مبرّرات الملكيّة الخاصّة من وجهة نظر مذهبيّة في الاقتصاد؛ لأنّ الملكيّة الخاصّة سواءً كانت خلافة أم أيّ شيء آخر تثير السؤال عن مبرّراتها المذهبيّة التي تفسّرها، فلماذا جعلت هذه الخلافة والوكالة لهذا الفرد دون سواه؟ ومجرّد كونها وكالة ليس جواباً كافياً على هذا السؤال، وإنّما نجد الجواب عليه في التفسير الاقتصادي للملكيّة الخاصّة على اسس معيّنة، كأساس العمل وصلة العامل بنتائج عمله.
وهكذا نعرف أنّ إسباغ طابع الوكالة والخلافة على الملكيّة الخاصّة مثلًا لا يكفي لصوغ نظريّة عامّة في التوزيع؛ لأنّه لا يفسّر هذه الظاهرة تفسيراً اقتصاديّاً، وإنّما يخلق هذا الطابع نظرة خاصّة إلى الملكيّة تقوم على أساس أ نّها مجرّد وكالة أو خلافة. وهذه النظرة إذا نشأت وسادت وأصبحت عامّة لدى أفراد المجتمع الإسلامي أصبح لها من القوّة ما يحدّد سلوك الأفراد، ويعدّل من الانعكاسات النفسيّة للملكيّة، ويطوّر من المشاعر التي توحي بها الثروة إلى نفوس الأغنياء. وبذلك يصبح مفهوم الخلافة قوّة محرّكة موجّهة في الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
فالتفسير الخُلُقي للملكيّة إذن يبرّر تلك التصوّرات عن الملكيّة التي يتلقّاها كلّ مسلم عادة من الإسلام، ويتكيّف بها نفسيّاً وروحيّاً، ويحدّد مشاعره ونشاطه وفقاً لها.
وأساس هذه التصوّرات هو مفهوم الخلافة الذي أشرنا إليه، فالمال مال اللَّه وهو المالك الحقيقي، والناس خلفاؤه في الأرض وامناؤه عليها وعلى ما فيها من أموال وثروات، قال اللَّه تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَ لا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً»[1].
[1] سورة فاطر: 39