والجواب على هذا السؤال: أنّ حقّ الفرد هذا لا يستمدّ مبرّره من تملّك الفرد لفرصة نتجت عن عمله، وإنّما يبرّره انتفاع الفرد بذلك المال، فكما أنّ من حقّ كلّ عامل أن يمتلك الفرصة التي ينتجها عمله كذلك من حقّه أن ينتفع بالفرصة التي هيّأتها له الطبيعة بعناية اللَّه تعالى. فالماء مثلًا إذا كان في أعماق الأرض وكشفه الفرد بالحفر فقد خلق فرصة الانتفاع به وأصبح جديراً بامتلاك هذه الفرصة. وأمّا إذا كان الماء مجتمعاً طبيعيّاً على سطح الأرض وكانت فرصة الانتفاع به ناجزة بدون جهد من الإنسان فلا بدّ أن يتاح لكلّ فرد أن يمارس انتفاعه بذلك الماء ما دامت الطبيعة قد كفتهم العمل ومنحتهم فرصة الانتفاع.
فإذا افترضنا فرداً اغترف بإنائه من الماء المجتمع طبيعيّاً على وجه الأرض فقد مارس عملًا من أعمال الانتفاع والاستثمار في مفهوم النظريّة، كما مرّ بنا في مستهلّ البحث. وما دام من حقّ كلّ فرد أن ينتفع بالثروة التي تقدِّمها الطبيعة بين يدي الإنسان فمن الطبيعي أن يسمح للفرد بحيازة الماء المكشوف على وجه الأرض من مصادره الطبيعيّة؛ لأنّها عمل من أعمال الانتفاع والاستثمار، وليست عملًا من أعمال الاحتكار والقوّة.
وإذا احتفظ الفرد بالماء الذي حازه كان له ذلك، ولا يجوز لآخر أن ينازعه فيه، أو ينتزعه منه وينتفع به؛ لأنّ النظريّة ترى حيازة الماء وما إليه من الثروات المنقولة عملًا من أعمال الانتفاع، فما دامت الحيازة مستمرّة فالانتفاع مستمرّ إذن من قبل الحائز، وما دام الحائز مواصلًا لانتفاعه بالثروة فلا مبرّر لتقديم فرد آخر عليه في الانتفاع بها إذا أراد.
وهكذا يظلّ الفرد متمتّعاً بحقّه في الثروة المنقولة التي حازها ما دامت