من الناحية النظريّة، فهو جزء من الصورة الكاملة التي تعبّر عن النظريّة الإسلاميّة في المجال الذي ندرسه، سواء أخذ نصيبه من التطبيق أو اضطرّت ظروف قاهرة أو مصلحيّة لإهماله.
***
وعلى ضوء ما قدّمناه يتبيّن الفرق بين المزارع الذي يعمل في قطاع الملكيّة العامّة والمزارع الذي يعمل في قطاع ملكيّة الدولة، فإنّهما وإن كانا معاً لا يملكان رقبة الأرض ولكنّهما يختلفان في مدى علاقتهما بالأرض، فالمزارع الأوّل ليس إلّا مستأجراً فحسب- كما أكّد الفقيه المحقّق الإصفهاني في تعليقه على المكاسب[1]– فمن حقّ الإمام أن ينتزع منه الأرض ويعطيها لفرد آخر متى انتهت مدّة الإجارة. وأمّا المزارع الثاني فهو يتمتّع بحقّ في الأرض يخوّله الانتفاع بها، ويمنع الآخرين من انتزاعها منه ما دام قائماً بحقّها وعمارتها.
وعمليّة الإحياء في قطاع الدولة حرّة يجوز لكلّ فرد ممارستها دون إذن خاصّ من وليّ الأمر؛ لأنّ النصوص الآنفة الذكر أذنت لجميع الأفراد بالإحياء دون تخصيص، فيعتبر هذا الإذن نافذ المفعول ما لم ترَ الدولة في بعض الأحايين المصلحة في المنع. وهناك في الفقهاء من يرى أنّ الإحياء لا يجوز ولا يمنح حقّاً ما لم يكن بإذن خاصّ من وليّ الأمر، ولا يكفي الإذن الصادر من النبيّ صلى الله عليه و آله في قوله: «من أعْمَرَ أرضاً فهو أحقّ بها»[2]؛ لأنّ هذا الإذن صدر من النبيّ بوصفه حاكماً ورئيساً للدولة الإسلاميّة، لا باعتباره نبيّاً، فلا يمتدّ مفعوله مع الزمن، بل ينتهي بانتهاء حكمه.
[1] حاشية المكاسب 3: 21، 49
[2] صحيح البخاري 3: 140، من أحيا أرضاً مواتاً