وأمّا محمّد بن الحسن الشيباني فقد اعترف بدوره أيضاً بمبدأ فرض الخراج على ما يُحيى من الأرض الموات، ولكنّه اختار تفصيلًا آخر غير ما سبق عن أبي حنيفة وأبي يوسف، فقد قال: إن كانت الأرض المحياة على أنهار حفرتها الأعاجم فهي أرض خراج، وإن كانت على أنهار أجراها اللَّه عزّ وجلّ فهي أرض عشر[1].
وعلى أيّ حال فإنّ مبدأ فرض الخراج على الأرض المحياة نجده بصورة أو اخرى في اتّجاهات فقهيّة مختلفة.
ونلاحظ أنّ كلمات الفقهاء غير الإماميّين هذه لم تصل إلى الدرجة التي بلغتها فتوى الشيخ الطوسي وعدد آخر من فقهاء الإماميّة؛ لأنّها لم تتجاوز بصورة صريحة عن كونها تعبيرات متفاوتة عن حدود الأرض الخراجيّة، وأ نّها تشمل قسماً من الأراضي الموات، كموات السواد أو الموات التي تُحيى بماء الخراج، غير أ نّها- على أيّ حال- تجعلنا نجد مبدأ فرض الخراج على الأرض المحياة بصورة أو اخرى في اتّجاهات فقهيّة مختلفة. ولا يوجد ما يمنع عن اعتباره مبرّراً مبدأيّاً في الشريعة الإسلاميّة لفرض الخراج من الإمام على الأراضي المحياة.
ومن المواقف الفقهيّة الملتقية إلى درجة كبيرة مع رأي الشيخ الطوسي وغيره من علماء الإماميّة موقف لبعض فقهاء المذهب الحنفي كأبي القاسم البلخي وغيره ممّن تكلّم عن الأرض التي أحياها شخص ثمّ خربت فاستأنف إحياءها شخص آخر، إذ قالوا بأنّ الثاني أحقّ بها؛ لأنّ الأوّل ملك استغلالها لا رقبتها، فإذا تركها كان الثاني أحقّ بها[2]. وهذا الكلام وإن كان لا ينصّ على ملكيّة الدولة
[1] الأحكام السلطانيّة 1: 211، الهامش رقم 2
[2] راجع شرح فتح القدير 9: 4، وشرح العناية على الهداية في هامش الصفحة نفسها