الماء والنار والكلأ، والنصّ القائل: إنّ للوالي على الرعيّة حقّاً .. نواجه خطر الاستجابة للإشراط الاجتماعي في تلك الكلمات، وإعطائها المعنى الاجتماعي الذي عاشته بعيداً عن جوّ النصّ، بدلًا عن إعطائها المعنى اللغوي الذي ترمز إليه.
ج- تجريد الدليل الشرعي من ظروفه وشروطه:
تجريد الدليل الشرعي من ظروفه وشروطه هو عمليّة تمديد للدليل دون مبرّر موضوعي.
وهذه العمليّة كثيراً ما ترتكب في نوع خاصّ من الأدلّة الشرعيّة، وهو ما يطلق عليه فقهيّاً اسم (التقرير)، ونظراً إلى أنّ هذا النوع من الأدلّة له أثر كبير على عمليّة الاجتهاد في الأحكام والمفاهيم التي تتّصل بالمذهب الاقتصادي فمن الضروري أن نبرز الخطر الذي يتهدّد هذا الدليل نتيجة لتجريده عن ظروفه وشروطه.
ولنشرح أوّلًا معنى (التقرير): إنّ التقرير مظهر من مظاهر السنّة الشريفة، ونعني به: سكوت النبي صلى الله عليه و آله أو الإمام عن عمل معيّن يقع على مرأىً منه ومسمعٍ سكوتاً يكشف عن سماحه به وجوازه في الإسلام.
والتقرير على قسمين: لأنّه تارةً يكون تقريراً لعمل معيّن يقوم به فرد خاصّ، كما إذا شرب أحد الفقّاع أمام النبيّ صلى الله عليه و آله فسكت عنه، فإنّ هذا السكوت يكشف عن جواز شربه في الإسلام. واخرى: يكون تقريراً لعمل عامّ يتكرّر صدوره من الناس في حياتهم الاعتياديّة، كما إذا عرفنا من عادة الناس في عهد التشريع الإسلامي قيام الأفراد باستخراج الثروات المعدنيّة وتملّكها بسبب استخراجها، فإنّ سكوت الشريعة عن هذه العادة وعدم معارضتها يعتبر تقريراً منها ودليلًا على سماح الإسلام للفرد باستخراج المادّة الطبيعيّة وتملّكها. وهذا