الحاجة تدعو إلى ذلك، وتشتدّ الضرورة إليه؛ لأنّ الإنسان ليس كالبهائم، بل هو مدني بالطبع، لا بدّ له من مسكن يأوي إليه، وموضع يختصّ به، فلو لم يشرّع لزم الحرج العظيم، بل تكليف ما لا يطاق»[1].
وكلّنا نعترف طبعاً بوجود الملكيّة الخاصّة في الإسلام، وفي الأرض بوجه خاصّ أيضاً، ولكنّ الشيء الذي لا نقرّه هو: أن يستمدّ الحكم في الشريعة الإسلاميّة من الرسوخ التاريخي لفكرة الملكيّة، كما اتّفق لهذا الفقيه الذي لم تمتدّ أبعاده الفكريّة وتصوّراته عن الماضي والحاضر والمستقبل خارج نطاق التاريخ الذي عاشته الملكيّة الخاصّة، فكان يجد وراء كلّ اختصاص في تاريخ حياة الإنسان شبح الملكيّة الخاصّة يبرّره ويفسّره، حتّى لم يعد يستطيع أن يميّز بين الواقع والشبح، فأخذ يعتقد أنّ الإنسان ما دام بحاجة إلى الاختصاص بمسكن يأوي إليه- على حدّ تعبيره- فهو بحاجة إذن إلى أن يتملّكه ملكيّة خاصّة ليختصّ به ويأوي إليه. ولو استطاع هذا الممارس أن يميّز بين سكنى الإنسان مسكناً خاصّاً وبين تملّكه لذلك المسكن ملكيّة خاصّة لَما خدع بالتشابك التاريخي بين الأمرين، ولأمكنه أن يدرك بوضوح: أنّ تكليف ما لا يطاق إنّما هو في منع الإنسان من اتّخاذ مسكن خاصّ، لا في عدم منحه الملكيّة الخاصّة لذلك المسكن. فالطلّاب في مدينة جامعيّة أو الأفراد في مجتمع اشتراكي .. يأوي كلّ منهم إلى مسكن خاصّ دون أن يتملّكه ملكيّة خاصّة.
وهكذا نجد أنّ فقيهنا هذا اتّخذ- بدون قصد- من الجلال التاريخي للملكيّة الخاصّة وما يوحي به من أفكار عن ضرورتها للإنسانيّة إطاراً لتفكيره الفقهي.
[1] مفتاح الكرامة 7: 3