الروحيّة التي تستطيع أن تعوّض الإنسان عن لذائذه الموقوتة التي يتركها في حياته الأرضيّة أملًا في النعيم الدائم، وتستطيع أن تدفعه إلى التضحية بوجوده عن إيمان بأنّ هذا الوجود المحدود الذي يضحّي به ليس إلّاتمهيداً لوجود خالد وحياة دائمة، وتستطيع أن تخلق في تفكيره نظرة جديدة تجاه مصالحه، ومفهوماً عن الربح والخسارة أرفع من مفاهيمهما التجاريّة المادّية.
فالعناء طريق اللذّة، والخسارة لحساب المجتمع سبيل الربح، وحماية مصالح الآخرين تعني ضمناً حماية مصالح الفرد في حياة أسمى وأرفع … وهكذا ترتبط المصالح الاجتماعيّة العامّة بالدوافع الذاتيّة بوصفها مصالح للفرد في حسابه الديني.
وفي القرآن الكريم نجد التأكيدات الرائعة على هذا المعنى منتشرة في كلّ مكان، وهي تستهدف جميعاً تكوين تلك النظرة الجديدة عند الفرد عن مصالحه وأرباحه، فالقرآن يقول:
«وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ»[1].
«مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها»[2].
«يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ* فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»[3].
«وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِم
[1] سورة غافر: 40
[2] سورة فصّلت: 46، وسورة الجاثية: 15
[3] سورة الزلزلة: 6- 8