والآخر: أنّ «الفاء» ليست أحسن حالًا من أدوات الشرط، وقد بيّنّا في علم الاصول[1]: أنّ القضية الشرطية إنّما تدلّ على المفهوم إذا لم يكن الشرط فيه محصّصاً لموضوع القضية، ومرجع الضمير في الجزاء، وإلّا سقطت دلالته على المفهوم، نظير قولنا: «من يجيئك فأكرمه»، والرواية من هذا القبيل.
وأمّا النقطة الثانية فإن قيل فيها بأنّ المفهوم هو انتفاء مطلق الحرمة فالرواية لا تدلّ على مقصود شيخ الشريعة، وحينئذٍ يخصّص المفهوم بإخراج المغليّ بنفسه عنه لثبوت حرمته قطعاً.
وإن قيل: إنّ المفهوم هو انتفاء الحرمة المقيّدة كان ذلك في صالحه.
وتحقيق الكلام في المقام: أنّ كلمة «حتّى» في الرواية فيها احتمالان:
الأوّل: أن يقصد بها نسبة تامّة، وتجعل غايةً لمفاد الجزاء، فكأنه قال: «كلّ عصيرٍ غلى بالنار فهو حرام»، وهذه الحرمة مستمرّة إلى أن يذهب الثلثان، وهذا يعني أ نّه قد طرأ على الحرمة أمران، نسبة التعليق ونسبة الغاية في عَرْضٍ واحد، فمفاد المفهوم ارتفاع ذات الحرمة، وبعد حصول الغاية ترتفع الحرمة بمفهوم الغاية.
الثاني: أن يقصد بها الغاية بنحو مفاد النسبة الناقصة، فكأ نّه قال: «كلّ عصيرٍ غلى بالنار فهو حرام مستمرّاً إلى أن يذهب الثلثان»، فالاستمرار لوحظ بنحو الوصفية، والموصوف به: إمّا أن يكون مادّة الجزاء وهي الحرمة، فكأ نّه قال: «فهو حرام بحرمة مستمرّة». وإمّا أن يكون هيئة «فهو حرام».
فعلى الأوّل يكون المفهوم انتفاء الحرمة المقيّدة؛ وذلك لأنّ المعلّق في القضية الشرطية هو هيئة الجزاء، والغاية صارت قيداً في مادة الجزاء، أي في
[1] انظر بحوث في علم الاصول 3: 177 و 184