الطلاء قبل هذه القصّة حيث راجع أهل الشام عمر شاكين له فساد بطونهم؛ لتعوُّدهم على الأغذية الثقيلة، وحرمة المسكر عليهم.
فجاء نصرانيّ وقال: إنّنا تعوَّدنا على شرابٍ نشربه في موسم الصوم ليقوّينا على العبادة، فجاء بشرابه وهو عصير عنبيّ مطبوخ وكان غليظاً كالرُّب، فوضع عمر إصبعه فيه، فقال: لكأ نّه طلاء الإبل (وهو النفط الذي يطلى به الإبل)، ثمّ التفت عمر إلى عبادة بن الصامت الصحابيّ الجليل- وكان جالساً إلى جانبه- فقال: ما ترى في هذا؟ فقال: أنا لا أرى أنّ النار تحلّل الحرام، فانزجر منه عمر، ونسبه إلى الحمق، وأفتى بالحلّية، فلمّا أباح لهم ذلك سكر بعض المسلمين، فأقام الحدّ عليه، ونهاهم عن التجاوز في الشرب إلى حدّ الإسكار.
ويبدو من هذه القصّة أنّ عمر أراد تحليل الشرب من المسكر بالمقدار الذي لا يسكر إذا طبخ على النار ثمّ أسكر، ولذا قال له عبادة: أنا لا أرى أنّ النار تحلّل الحرام.
وقد بدأ النزاع منذ ذلك الوقت حول هذه النقطة، وامتدّ في عصور الصحابة والتابعين والفقهاء، فهناك من رأى رأي عمر، وهناك من اتّفق مع عبادة في موقفه، غير أنّ الطرفين معاً كانا متسالمين على أنّ الطبخ بالنار بنفسه ليس من موجبات الحرمة، وإنّما الكلام بينهم في أ نّه هل يوجب تعطيل الغليان الحاصل بعد الطبخ عن إيجاد الحرمة، أوْ لا؟
وكلمات الفقه السنّيّ مشحونة بتحرير النزاع على هذا الوجه، وبالاختلاف بين المحلِّلين في مقدار الطبخ الموجب لسلخ الغليان عن السببية للحرمة.
فقد ذهب البعض[1] إلى أنّ الطبخ الموجب لذلك هو الطبخ المُذهِب للنصف.
[1] الإشراف على مذاهب أهل العلم 3: 250. والمحلّى 7: 497