حمل تغيّر الحال على الغليان، إذ- مضافاً إلى أنّ المتفاهم عرفاً من الحال الطعم والرائحة ونحوهما من الخواص- أنّ الطعن ظاهره التغاير، وكثيراً ما يستعمل التغيّر في الاشتداد والإسكار.
وحيث إنّ تغيّر الحال له مراتب، والغليان مساوق لمرتبته المستبطنة للإسكار انيطت الحرمة في العصير المطبوخ على النار بحصول التغيّر بدرجةٍ يحصل معها الغليان، وهو مساوق للإسكار، فتدلّ الرواية على عدم حرمة العصير المطبوخ بدون ذلك، ولكنّ الرواية ساقطة سنداً؛ لإرسالها.
الاحتمال الثالث: أن ننكر الإطلاق في روايات حرمة العصير العنبيّ المغليّ في نفسه، بلا حاجةٍ إلى التفتيش عن مقيّد.
وهذا وإن كان يبدو غريباً في بادئ النظر ولكن يمكن تقريبه بما يلي، وهو: أنّ الروايات التي حكمت بحرمة العصير العنبيّ المغلي طائفتان:
إحداهما: ماورد في المطبوخ والبختج والطِلاء.
والاخرى: ما ورد من الروايات التي لم يؤخذ في لسانها الطبخ، بل علّقت الحرمة فيها على نفس العصير منوطاً بالغليان.
وهناك مسألتان كانتا مطروحتين للبحث على الصعيد الفقهيّ العامّ بين المسلمين، وحصل بشأنهما نقاش وأخذٌ وردٌّ واسع من عصر الصحابة إلى أيام الإمام الصادق عليه السلام.
والمسألة الاولى تتعلّق بالطِلاء؛ وذلك أنّ العصير العنبيّ غير المطبوخ لا إشكال عند المسلمين في حرمته، كثيره وقليله اذا غلى وأسْكَر، وإنّما وقع الكلام بينهم في العصير العنبيّ المطبوخ على النار.
والأصل في ذلك قصّة عمر بن الخطاب مع أهل الشام[1]، إذ لا يظهر تعارف
[1] الموطّأ 2: 847، كتاب الأشربة، الحديث 14