لئلّا يغتلم، فإن كنتم تريدون النبيذ فهذا النبيذ»[1].
فإنّ صدر الحديث يدلّ على أنّ الميزان في الحرمة هو السكر، وأنّ ما يترتّب المنع منه على تقدير السؤال عنه إنّما هو المسكر. وذيله يدلّ على أنّ الحلّية في النبيذ منوطة بقصر المدّة، وهذا يعني أ نّه مع مرور عدّة أيّامٍ ينشأ محذور الإسكار بسبب غليانه في نفسه.
ومنها: رواية صفوان الجمّال، قال: كنت مبتلىً بالنبيذ معجباً به، فقلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أصف لك النبيذ؟ فقال: «بل أنا أصفه لك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
كل مسكرٍ حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام»، فقلت له: هذا نبيذ السقاية بفناء الكعبة، فقال: «ليس هكذا كانت السقاية، إنّما السقاية زمزم، أفتدري أوّل مَن غيَّرها؟» قلت: لا، قال: «العباس بن عبد المطّلب، كانت له حبلة، أفتدري ما الحبلة؟» قلت: لا، قال: «الكرم، فكان ينقع الزبيب غدوةً ويشربونه بالعشيّ، وينقعه بالعشيّ ويشربونه غدوة، يريد به أن يكسر غلظ الماء على الناس، وأنّ هؤلاء قد تعدّوا، فلا تقربه ولا تشربه»[2].
وهذا الحديث واضح في أنّ مناط الحرمة هو الإسكار، إذ يلاحظ أنّ السائل حينما أراد أن يصف النبيذ للإمام عليه السلام في مقام السؤال عن حكمه لم يسمح له بالشرح، بل قال: «بل أنا أصفه لك»: «كلّ مسكرٍ حرام». كما دلّ على أنّ البقاء مدّةً أطول من مثل العشيّ إلى الغدوة يعرّض للحرمة، ولا وجه لذلك، إلّا ما يتعرض له العصير حينئذٍ من النشيش والغليان.
ومنها: رواية معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ رجلًا من
[1] وسائل الشيعة 25: 352، الباب 22 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 5
[2] وسائل الشيعة 25: 337، الباب 17 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 3