القرينة الثانية: أنّ غير فقهاء الإمامية من سائر المسلمين لا يوجد فيهم من يحرّم العصير العنبيّ بالغليان بالنار، وهذا معناه: أ نّهم يتناولونه عادةً، فلو كان مسكراً مع شيوع استعماله عندهم لانعكس وأصبح واضحاً.
القرينة الثالثة: وهي مستفادة من روايات أهل البيت عليهم السلام، وتدلّ على نصف المدّعى‏، أي على أنّ الغليان من نفسه يوجب الإسكار.
وجملة من الروايات وإن كانت واردةً في العصير التمريّ والزبيبيّ إلّاأ نّه لا يحتمل الفرق في ذلك بينهما وبين العصير العنبي؛ لأنّ الميزان كلّ عصيرٍ يحتوي على مادةٍ سكّريةٍ تتحول إلى كحولٍ. وهذه الروايات لا تصرّح بالمقصود، وإلّا لانقطع الكلام في ذلك، وإنّما تدلّ على أمرين:
أحدهما: أنّ حرمة العصير منوطة بالإسكار.
والآخر: أنّ العصير إذا غلى‏ من نفسه حرم. وبضمِّ أحدهما إلى الآخر يثبت المطلوب.
وبعض الروايات يمكن أن يستفاد منها كلا الأمرين، وبعضها يستفاد منها أحدهما.
فمنها: رواية حنّان بن سدير، قال: سمعت رجلًا يقول لأبي عبد اللَّه عليه السلام:
ماتقول في النبيذ، فإنّ أبا مريم يشربه ويزعم أ نّك أمرته بشربه؟! فقال: «صدق أبو مريم، سألني عن النبيذ فأخبرته أ نّه حلال، ولم يسألني عن المسكر». ثم قال:
«إنّ المسكر ما اتّقيت فيه أحداً، سلطاناً ولا غيره» … إلى أن قال: فقال له الرجل: هذا النبيذ الذي أذنت لأبي مريم في شربه أيّ شي‏ءٍ هو؟ فقال: «أمّا أبي فكان يأمر الخادم فيجي‏ء بقدحٍ فيجعل فيه زبيباً، ويغسله غسلًا نقيّاً، ويجعله في إناءٍ، ثمّ يصبّ عليه ثلاثةً مثله أو أربعةً ماءً، ثمّ يجعله بالليل ويشربه بالنهار، ويجعله بالغداة ويشربه بالعشي، وكان يأمر الخادم بغسل الإناء كلّ ثلاثة أيام‏