أو لا؟ ولا يمكننا معرفة ذلك؛ لتعذّر التجربة علينا، ولا موجب لتحقيق الواقع؛ لأنّ الشبهة موضوعية وليس من وظيفة الفقيه حلّها، وبِغَضِّ النظر عن الأخبار الخاصّة تجري الاصول المؤمِّنة.
والحقيقة: أنّ التعرّف على ذلك له دخل في فهم روايات العصير العنبي، ومعرفة كونها مسوقةً لتخصيص مستقلٍّ أو لا، كما أنّ ما يلاحظ من بذل الفسقة للكثير في سبيل إعداد شرابهم الفاجر فلعلّه لأجل الحصول على الخمر الجيّد، فإنّه كلّما كان أعتق كان أجود وأكثر إسكاراً. وقد قيل: كلّما زاد بالترك جودةً فهو مسكر.
وفصَّل بعض فقهائنا المتأخّرين- كشيخ الشريعة الاصفهانيّ[1] قدس سره- بين الغليان بالنار فلا يسكر، والغليان بنفسه فيسكر، واستظهر من كلمات جملةٍ من الفقهاء المتقدّمين: أنّ هذا كان مسلّماً عندهم.
وهذا التفصيل هو الصحيح، وبذلك يبطل الاحتمال المذكور النافي لاستفادة التخصيص الزائد، بدعوى: أنّ كلّ عصير عنبيٍّ مغليٍّ مسكر. ويشهد لهذا التفصيل عدّة قرائن:
القرينة الاولى: ما يشهد به الخبراء في تجاربهم العلمية من أنّ الكحول الذي هو مادة الإسكار لا يسمح الغليان بالنار لظهوره، وإنّما يظهر من خلال تصاعدٍ تدريجيٍّ بطيءٍ لدرجة الحرارة، كما يحصل في العصير الذي يَنِشُ[2] من قبل نفسه.
[1] إفاضة القدير في أحكام العصير( التالي لقاعدة لا ضرر): 21 و 28- 29 و 50
[2] النشيش: أول أخذ العصير في الغليان، وفي حديث النبيذ:« إذا نش فلا تشرب»، أي إذاغلى. لسان العرب:( مادّة نَشَّ)