ومنها: صحيحة الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن دواءٍ عُجِنَ بالخمر، فقال: «لا واللَّه ما احبّ أن أنظر إليه، فكيف أتداوى‏ به؟! إنّه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير، وترون اناساً يتداوون به»[1].

والرواية تامّة سنداً. والاستدلال مبنيّ على التمسّك بإطلاق ما في الحديث من التنزيل، المقتضي لترتّب أحكام لحم الخنزير على الخمر.

ولحم الخنزير له حكمان:

أحدهما: ثابت بالضرورة من الدين، وهو الحرمة.

والآخر: ثابت بالضرورة من الفقه، وهو النجاسة. فيحكم على الخمر بالحرمة والنجاسة. وكون الملحوظ في السؤال جواز الاستعمال وحرمته لا يوجب هدم إطلاق التنزيل المؤكّد للحرمة بضمّ النجاسة إليها.

وهنا إشكال عامّ في التمسّك بإطلاقات أدلّة التنزيل في حالة وجود القدر المتيقّن من ناحية نفس الكلام، وحاصله: أنّ الإطلاق إن كان ناشئاً من مقدمات الحكمة المعروفة فلا يضرّ به وجود القدر المتيقّن، وأمّا إذا كان ناشئاً من نكتةٍ خاصّةٍ مبنيّةٍ على عدم وجود القدر المتيقّن من ناحية الكلام فينثلم بوجودها.

والإطلاق في دليل التنزيل ليس من قبيل الأوّل؛ لوضوح أنّ مقدمات الحكمة إنّما تجري دائماً في طرف الموضوع للقضية الحملية، لا في طرف محمولها، فإذا قيل: «الفقيه عالم» يثبت بمقدّمات الحكمة أنّ كلّ فقيهٍ عالم، لا أنّ الفقيه عالم بكلّ علم، بل يكفي أن يكون عالماً بعلمٍ واحد؛ لأنّ المحمول يلحظ

 

[1] وسائل الشيعة 25: 345، الباب 20 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 4