العموم، وفي كلّ مسألةٍ من هذا القبيل يوجد عادةً بعض البيانات الموافقة للرأي العامّ ولو تقيةً، بخلاف روايات النجاسة فإنّها على خلاف الرأي العامّ السنّي، وتظافرها وكثرتها ينتزع منه نوع من التأكيد والاهتمام الذي يوضّح إلزامية الحكم … أمكننا على ضوء ذلك كلّه أن نفهم كيفية حصول الاطمئنان الشخصيّ لجملةٍ من الأصحاب بالنجاسة؛ استناداً إلى روايات النجاسة نفسها.
وافتراض هذا الاطمئنان بالبيان المذكور يصلح تفسيراً لموقف جملةٍ من الأصحاب، وإبرازاً للعامل الخارجيّ الذي دعى إلى طرح قواعد الجمع العرفي، وإن لم نكن نشارك في هذا الاطمئنان؛ لأنّ ما تمّت عندنا دلالته على النجاسة أقلّ عدداً.
وما تجمَّع لدينا من روايات الطهارة فيه من الصراحة وعدم التذبذب في البيان، والتظافر، والمخالفة للتقية في بعض الخصوصيّات ما لا يسمح بحصول الاطمئنان أو الظنّ الشخصيّ ببطلان دلالته على الطهارة، على أ نّه كما يترقّب صدور أخبار الطهارة، ولو لم يكن الحكم هو الطهارة من أجل التقية- وبذلك يضعف الكشف التكوينيّ لأخبار الطهارة- كذلك يترقّب صدور أخبار الأمر بالغسل والاجتناب ولو لم يكن الحكم هو النجاسة؛ لأنّ التنزّه معلوم المطلوبية على أيّ حال.
وعدم نصب القرينة المتّصلة على نفي الإلزام في سياق الطلب التنزيهيّ أمر مألوف وشائع، فيشكّل ذلك نقطة ضعف مقابلة في الكشف التكوينيّ لأخبار النجاسة، الأمر الذي يحول دون حصول الاطمئنان الشخصيّ لدينا بالنجاسة.
وصفوة القول: أ نّا إذا كنّا لا نحتمل غفلة الأصحاب عن صحة الجمع العرفيّ بالحمل على التنزّه فيمكن أن نفسِّر إعراضهم عنه في المقام بأحد الأمرين: