للواقع. وعلى كلا التقديرين تسقط روايات الطهارة عن الحجّية.
أمّا على الأوّل فلأنّ اعتقاد الأصحاب بالخلل في النقل أمارة مهمّة توجب سلب الوثوق بالروايات، المؤدّي إلى خروجها عن دليل الحجّية.
وأمّا على الثاني فلأنّ نفس ذلك الارتكاز يكون حجّةً علينا.
والتحقيق: أنّ افتراض استناد الأصحاب إلى الاطّلاع على الخلل في النقل بعيد جدّاً، إذ ليس في كلماتهم أيّ تعرّضٍ لذلك ولو إجمالًا. فهذا الشيخ الطوسيّ قدس سره لا يرمي ما يدلّ على الطهارة بالخلل أو نحوٍ من الشذوذ، الذي رمى به ما دلّ على جواز الوضوء بماء الورد ونحوه، ونلاحظ أنّ جملةً من روايات الطهارة قد أفتى الأصحاب بمضمونها وإن لم يستفيدوا منها الطهارة.
فالشيخ الطوسيّ قدس سره يذكر: أ نّه يكره أن يدعو الإنسان أحداً من الكفّار إلى طعامه فيأكل معه، وإن دعاه فيأمره بغسل يده ثمّ يأكل معه إن شاء[1].
وقد ذكر المحقّق الحلّي[2]: أنّ هذه الفتوى مبنيّة على رواية العيص.
وهذا يعني: أنّ الشيخ عمل بها وإن لم يستفد منها الطهارة؛ لحملها- مثلًا- على فرض عدم الرطوبة.
كما أنّ الشيخ قد تمسّك ببعض روايات الطهارة لإثبات النجاسة، فقد استدلّ على النجاسة برواية عليّ بن جعفر في ماء الحمّام مع ذيلها، الذي عرفت منّا أ نّه يدلّ على الطهارة، ومعنى ذلك عدم صحّة افتراض الخلل في النقل في تلك الروايات، وإلّا لَمَا صحّ الاستدلال بها على شيء.
وممّا يؤكّد عدم الخلل في النقل: تعدّد روايات الطهارة وكثرتها بنحو
[1] النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: 589- 590
[2] نكت النهاية 3: 107