بناءً على ظهوره في نفسه في النجاسة، فالأمر على العكس، فإنّ الصحيح: تحكيم ظهور الذيل في الصدر؛ لأنّ الذيل استثناء من الصدر، والظواهر التي تحصل في جانب التقييد، هي التي تتصرّف في ظهورات المقيّد.
كما أ نّه قد يستشكل: بأنّ الرواية- على خلاف الرواية السابقة- مطلقة من ناحية قلّة الماء وكثرته، فتكون أدلّة نجاسة الكتابيّ مقيِّدةً لإطلاق الرواية بنحوٍ تحمل على الكثير خاصّة، غير أنّ تقييد الرواية بحملها على الكثير خاصّةً بعيد جدّاً؛ لندرة الكثير في بيئة الراوي، وبُعْد خفاء اعتصام الماء الكثير على مثل عليّ ابن جعفر.
ومنها: رواية إسماعيل بن جابر، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ قال: «لا تأكله»، ثمّ سكت هنيئةً، ثمّ قال: «لا تأكله»، ثمّ سكت هنيئةً، ثم قال: «لا تأكله»، ولا تتركه تقول: إنّه حرام، ولكن تتركه تتنزَّه (تنزّهاً منه خ ل) عنه، إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير»[1].
وهي معتبرة سنداً، وواضحة دلالةً على طهارة أهل الكتاب؛ لأنّ عدم تحريم طعامهم مع أ نّه يلاقي عادةً أجسامهم بالرطوبة باعتبار أنّ الظاهر من الإضافة كونهم قد طبخوه وهيّؤوه، وهذا يلازم الملاقاة برطوبةٍ غالباً، خصوصاً في ذلك العصر، وتعليل التنزه بمعرضيّة الأواني للخمر ولحم الخنزير دون معرضيّتها لملاقاة رطوباتهم يدلّ على عدم نجاستهم.
ومجرّد تكرار النهي في صدر الرواية لا يعني كونه إلزامياً، وكون الذيل تقية؛ لأنّ الاهتمام الذي يشعر به التكرار يناسب غير الإلزام أيضاً، إذ ما أكثر الموارد التي بيّن فيها بعض المطلوبات غير الإلزامية بألسِنَةٍ مشدّدة، فلعلّ المقام منها.
[1] وسائل الشيعة 24: 211، الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرّمة، الحديث 4