نعم، ذكر بعض[1]: أنّ كلمة «نَجَسٌ»- بفتح الجيم- تأتي أيضاً بمعنى الوصف.
وهذا لو سلّم فلا شكّ في أنّ الظاهر من الآية الكريمة إرادة المعنى الأوّل، أي المصدر، إذ بناءً على الوصفيّة كان مقتضى الطبع المطابقة بين الوصف والموصوف في الجمع، بخلافه على المصدرية؛ لأنّ نفس العناية التي لابدّ من إعمالها في الشخص الواحد عند حمل المصدر عليه يمكن إعمالها في مجموع الجماعة.
وعليه يقع الكلام في تعيين المراد من المعنى المصدريّ في الآية. فإنّ القذارة تُتصوّر على أنحاءٍ ثلاثة:
الأوّل: قذارة حسّية قائمة بالجسم خارجاً.
الثاني: قذارة قائمة بالشخص أو المعنى، وقد يعبّر عنها بالخُبْث وسوء السريرة، ويقول الراغب الأصفهاني: «إنّ هذه قذارة تدرك بالبصيرة لا بالبصر»[2].
الثالث: قذارة قائمة بالجسم غير قابلةٍ للتعدّي إلى الآخر. فمثلًا: الخمر مسكر، والإسكار صفة لجسم الخمر، فإذا كان الإسكار قذارةً واقعيةً أو اعتباريةً فالخمر بجسمه قذر، كما في القسم الأوّل، إلّاأنّ هذه القذارة بناءً على هذا التصوير لها لا تقبل السريان، بخلاف القسم الأوّل، وهذا هو الذي يشار إليه في الروايات الدالّة على طهارة الخمر بلسان: أنّ الثوب لا يسكر.
ثمّ إنّ هذه القذارات الثلاث: تارةً تكون حقيقيةً، كما في الأجسام الحاملة عرفاً للقذارة المتعدّية، وفي الإنسان الخبيث، وفي الخمر بناءً على كون الإسكار
[1] ذكره جماعة من أهل اللغة كما حكاه في مستمسك العروة الوثقى 1: 367 وراجعالقاموس 2: 369 ذيل مادّة« نجس»
[2] مفردات ألفاظ القرآن: 483 مادّة« نجس»